فتح إعلان رئيس المجلس النيابي نبيه بري تعديل مبادرته الرئاسية، لناحية الموافقة على الذهاب إلى جلسة إنتخاب واحدة بدورات متتالية، بعد أن كان يتمسك بجلسات الإنتخاب المتعددة، الباب أمام طرح الكثير من الأسئلة، حول التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك، بالإضافة إلى معنى هذا التعديل من الناحية الدستورية، بالنسبة إلى مسار إنتخاب الرئيس المقبل.

من الناحية السياسية، لا يمكن فصل الخطوة التي أقدم عليها بري، بحسب ما ترى مصادر نيابية متابعة عبر "النشرة"، عن عودة الملف الرئاسي إلى الواجهة من جديد، في الأيّام الماضية، إنطلاقاً من عودة الزخم إلى حراك سفراء اللجنة الخماسيّة، الذين من المفترض أن يجتمعوا نهاية الأسبوع الحالي، بعد أن كان الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان قد التقى، في الرياض، المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا.

بالنسبة إلى هذه المصادر، العنوان الأبرز لهذه الخطوة هو رمي كرة التعطيل على الأفرقاء الذين يرفضون مبدأ الحوار أو التشاور، على قاعدة أن برّي بادر إلى تقديم "تنازل"، كان قد وصفه بـ"المكسيموم"، وبالتالي بات عليهم هم في المقابل التحرك لملاقاته في منتصف الطريق، عبر الموافقة على هذا المبدأ الذي يصر عليه رئيس المجلس النيابي، بغضّ النظر عن النتائج الّتي من الممكن أن تفسّر عنه، في ظل الإنقسام المستمر في المواقف، إلى جانب غياب أي رؤية جدية للحل.

في هذا الإطار، من الضروري الإشارة إلى أنّ الخطوة التي أقدم عليها بري، تعني تراجعه في نقطة كان يرفض التنازل فيها، تكمن بالتخلّي عن نظريّة "تشريع الضرورة"، التي كانت تدفعه إلى إقفال محضر كل جلسة إنتخاب، على عكس ما كانت تطالب به قوى المعارضة، بالرغم من الكثير من علامات الإستفهام الّتي توضع حول دستوريّة ذلك.

في السياق، يعتبر الخبير الدستوري عادل يمين، في حديث لـ"النشرة"، أنّ رئيس المجلس النيابي تقدّم خطوة إلى الأمام، موضحاً أن الفارق بين الجلسة الواحدة بدورات متتاليّة والجلسات المتتالية، يكمن بأنه في الحالة الأولى لا يتمّ إقفال محضر الجلسة، سواء كانت الدورات المتتالية في اليوم نفسه أو على عدّة أيام، على عكس ما هو الحال في الجلسات المتتالية.

ومن التداعيات المباشرة لهذا الأمر، بحسب ما يوضح يمين، أنّه عند إقفال محضر الجلسة يستطيع المجلس النيابي التشريع بين الجلسات، بينما عند إبقاء المحضر مفتوحاً لا يستطيع القيام بهذا الأمر بإعتباره هيئة ناخبة، ويصف الأمر بتعليق العمل التشريعي إلى حين إنتخاب الرئيس أو إقفال محضر الجلسة.

ما تقدّم، يدفع إلى السؤال عمّا إذا كان ذلك من الممكن، في حال وافق الأفرقاء المعارضين، أن يساعدوا في الوصول لإنتخاب رئيس خلال وقت قصير، بغض النظر عن الأسباب التي دفعت بري إلى هذا التراجع، الأمر الذي تجيب عنه المصادر النيابية المتابعة بالإشارة إلى عقدة أخرى، تكمن بـ"سلاح" النصاب، الذي من الممكن أن يستخدم من قبل التحالفات المتعارضة، حيث تؤكّد أن من الضروري أيضاً الوصول إلى إتفاق يقضي بعدم اللجوء إلى هذا "السلاح".

في هذا المجال، يؤكّد يمين أن النصاب يبقى 86 نائباً في جميع الدورات، سواء كان الأمر يتعلق بجلسة واحدة أو جلسات متتالية، ما يعني إمكانيّة إستخدام هذه الورقة من قبل بعض الأفرقاء، لكنه يوضح أن الإنتخاب، بعد الدورة الأولى، يصبح من الممكن أن يتم بأكثرية 65 نائباً، طالما أن الجلسة لا تزال نفسها.

بالنسبة إلى المصادر ذاتها، هذا الواقع لا يعني التقليل من أهمية الخطوة التي أقدم عليها رئيس المجلس النيابي، لكنها تشدد على أن العقدة ليست في الخطوات الإجرائية، بل في التسوية السياسية التي تقود إلى إنتخاب الرئيس المقبل، حيث تلفت إلى أنه عند توفر هذه التسوية تصبح تلك الخطوات مجرد تفصيل، لن يكون من المتوقع أن يتم الخلاف حولها، حتى ولو كان هناك معوقات دستورية.

في المحصلة، ترى هذه المصادر أنّ ما ينبغي السؤال عنه يبقى الإتّفاق المسبق، على إعتبار أن الذهاب إلى الإنتخاب بـ"التحدّي" لن يحصل، وتشير إلى أنّ المعطيات الحاليّة تؤكّد أنّ هذا الإتفاق غير متوفّر، وبالتالي كل ما يحصل يبقى في إطار الصراعات اليوميّة، إلا إذا برز التوافق على مبدأ التشاور، بالإضافة إلى مسألة عدم تعطيل النصاب من قبل أيّ جهة، وتضيف: "هذا أمر مستبعد جداً".