لم يكن إصدار قاضي التحقيق الأول بلال حلاوي أمس مذكّرة توقيف وجاهية بحق الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة مفاجئاً. فلو لم يكن النائب العام التمييزي جمال الحجار يمتلك أدلة ثابتة على تحويل 42 مليون دولار من حساب الاستشارات في مصرف لبنان إلى المحامي ميكي تويني، ومن الأخير بدوره إلى ابن شقيقة سلامة المحامي مروان عيسى الخوري لإيداعه في حساب سلامة الخاص في مصرف لبنان، لما كان أوقف الحاكم السابق بالدرجة الأولى وحوّل الملف مباشرة إلى المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم للادّعاء عليه، وبالتالي كان قرار إخلاء سبيل سلامة سيكون هو الاستثناء.لكن ما بدا مفاجئاً ومثيراً للشكوك هو رفض القاضي حلاوي حضور رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر جلسة الاستجواب بصفتها ممثّلة للدولة اللبنانية، إذ طلب منها إبراز ترخيص من الوزير المختصّ (أي وزير العدل) للتأكد من صفتها.

وبحسب معلومات صحيفة "الاخبار"، فقد دخلت إسكندر إلى جلسة استجواب سلامة التي كان يحضرها وكيل الحاكم السابق المحامي مارك حبقة ووكيل مصرف لبنان، غير أن حلاوي طلب منها المغادرة مشيراً إلى أنها تخالف الإجراءات وليست لها صفة تخوّلها حضور الجلسة. وعندما طلبت منه إسكندر مجدّداً ضمّها إلى الدعوى المُقامة ضد سلامة سنداً للمادة 67 من أصول المحاكمات الجزائية، رفض وطلب منها الخروج، علماً أن رئيسة هيئة القضايا سبق لها أن تقدّمت بطلب ضمّها إلى الدعوى الخميس الماضي من دون أن يجيب حلاوي على طلبها، ما يدفع إلى التساؤل عن سبب قبوله طلب وكيل مصرف لبنان الانضمام واستثناء الدولة اللبنانية. فبحسب القانون الذي يفترض أن القاضي يعرفه جيداً، خصوصاً المادة 67 من أصول المحاكمات الجزائية، "للمتضرر من الجريمة أن يقدّم إلى قاضي التحقيق ادّعاءً شخصياً تابعاً للدعوى العامة التي حرّكها ادّعاء النيابة العامة"، ما يعني أن للنيابة العامة أن تنازع في صفة المتضرر ولا يدخل الموضوع في صلاحيات قاضي التحقيق الذي ينحصر دوره في التحقيق في الجرم فقط. فضلاً عن أن قانون تنظيم وزارة العدل واضح لناحية صلاحيات هيئة القضايا ودورها وصفتها، إذ نصّت المادة 16 من القانون على تكليف "رئيس هيئة القضايا تمثيل الدولة في لبنان والخارج أمام جميع المحاكم العدلية أو الإدارية أو التحكيمية على اختلاف أنواعها ودرجاتها وسائر الهيئات ذات الصفة القضائية، إما شخصياً وإما بواسطة أحد المعاونين"، في حين أكّدت المادة 18 أن لهيئة القضايا الحق "بإقامة الدعاوى باسم الدولة والدفاع عنها في الدعاوى المُقامة عليها في الداخل والخارج وإعداد الاستحضارات واللوائح والمذكّرات وتوقيعها، كما تبليغ الاستحضارات واللوائح والمذكّرات والأحكام والقرارات العائدة لدعاوى الدولة إضافة إلى المثول أمام جميع المحاكم العدلية والإدارية". والأهم "القيام بجميع الأعمال التي يتطلبها الدفاع عن مصالح الدولة أمام المحاكم سواء كانت مُدّعية أو مُدّعى عليها".

سلامة يبرّر خلال استجواب "مطوّل" مصدر الـ 42 مليون دولار

وأفادت مصادر واكبت جلسة التحقيق، بأن الاستجواب "تمحور حول حساب الاستشارات العائد لشركات الوساطة والعمولة التي استحصلت عليها من البنك المركزي خلال الاكتتاب في سندات الخزينة وحققت بموجبها أرباحاً طائلة".

وأكدت المصادر لـ "الشرق الأوسط" أن قاضي التحقيق "أعطى سلامة الوقت الكافي لشرح آلية عمل حساب الاستشارات، وأن المدعى عليه أبلغ قاضي التحقيق أن مبلغ الـ42 مليون دولار المزعوم سرقته ليس من أموال مصرف لبنان ولا من أموال المودعين، بل مجرّد عمولة حصل عليها من المصارف التجارية ومن أفراد"، مشيرة إلى أن حلاوي "سيستدعي موظفين في البنك المركزي للتثبّت مما ورد في إفادة سلامة، وقد يجري مقابلات فيما بينهم".

واوضحت إن سلامة "بدا متماسكاً خلال الجلسة، بخلاف ما يحكى عن أنه متعب نفسياً ومعنوياً، وأنه قدّم أجوبة واضحة ومستندات تدعم أقواله، وسمح له بالجلوس خلال طرح الأسئلة عليه، وبناء على ذلك تقرر استدعاء موظفين للاستماع إليهم".

ولا تستبعد المصادر أن "يستعين قاضي التحقيق بخبراء للتدقيق المالي لشرح بعض البنود الواردة في إفادة الحاكم السابق، وقد يطلب من هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان مزيداً من المستندات المتعلقة بهذه الدعوى".

11 ألف دولار شهرياً لريّ أشجار العاصمة

اشارت صحيفة "الاخبار" الى انه تزداد اعتراضات أعضاء المجلس البلدي على السلف الممنوحة لأحد المتعهّدين الذي يحتكر معظم التلزيمات البلديّة، بعدما تبيّن أن الأرقام المطلوبة مُبالغ فيها، في حين لا يُنفِّذ المتعهد الاتفاق المنصوص ولا يُراعي جودة الأعمال، في غياب الرقابة الكاملة من قبل البلديّة.

ولفتت الى انه في زمن الإفلاس، كان يفترض أن تُنهي السّلف التي تعطيها بلديّة بيروت للمتعهدين لتنفيذ أشغال في العاصمة، حالات الهدر التي كانت سارية قبل الأزمة الماليّة، إبّان سيطرة الشركات – "الديناصورات" على المُناقصات قبل تلزيمها في بعض الأحيان. ومع ذلك، لا يبدو أنّ السّلف قضت على أزمة تبديد الأموال العامّة التي لا تزال تُلاحق البلديّة، رغم محاولة المجلس البلدي تقليصها ومساعٍ قام بها كثيرون لكسر احتكار رجل الأعمال ناصر زيدان معظم التلزيمات، قبل أن يدخل على الخط أخيراً ابن عمّته، سعد موصللي، الذي رست أعمال صيانة المقارّ البلديّة ورشّ المبيدات فيها على مؤسسته التي أنشأها حديثاً، ويُعتقد بأنّ شركة زيدان هي من يقوم بالأعمال فعلياً. أحد المشاريع التي طُوّبت لزيدان مشروع ري أشجار العاصمة وتشحيلها، مقابل سلف ماليّة بمعدّل 500 مليون ليرة كلّ أسبوعين (أكثر من 11 ألف دولار شهرياً)، علماً أن السّلف التي ترد إلى المجلس البلدي في هذا الخصوص تُطالب بأرقام مبالغ فيها، قبل أن يقوم الأعضاء بالاعتراض عليها وتقليصها. ويؤكد عدد من أعضاء المجلس البلدي وجود تلاعب في تنفيذ الأعمال، وقيام المتعهد بتعبئة الخزانات المُخصّصة للري مجاناً من الملعب البلدي في الطريق الجديدة وفرع فوج الإطفاء المُلاصق له، رغم أن الاتفاق بين البلديّة والمتعهد ينص على أن يؤمّن الأخير المياه على نفقته. وإلى ذلك، لا رقابة على نوعيّة المياه التي تتم تعبئتها (في حال تمّ شراؤها من موزّعي المياه في بيروت)، وما إذا كانت مخُصّصة لري الزرع.

الملف الرئاسي: لا شيء

وفي المرتبة الثانية بعد احداث الجنوب، يأتي الملف الرئاسي في ظل ما أُعلن عن تحرّك جديد مجهول المعالم حتى الآن. في انتظار ما سيقرّره سفراء دول الخماسية في اجتماعهم المقرّر السبت المقبل، ربما في دارة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري. الذي لم تستبعد مصادر واسعة الاطلاع عبر "الجمهورية" احتمال قيامه بزيارة وشيكة الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري. الّا إذا تقّرر في اجتماع السفراء المفترض السبت المقبل أن يستهلوا حراكهم الجديد بزيارة الرئيس بري.

ما بعد أميركا

في هذه الأجواء، قال مسؤول كبير لـ"الجمهورية": "لست اشارك المتشائمين بانسداد الأفق الرئاسي، بل ما زلت ارى نافذة لإنجاز الملف الرئاسي وانتخاب رئيس قبل نهاية السنة الحالية، وحراك السفراء الى جانب مبادرة بري يشكّلان مفتاح الحل الرئاسي. وهذه الفرصة متاحة بقوة الآن، واخشى من أن يؤدي تفويتها الى الدفع بالملف الرئاسي الى فراغ اضافي، وترحيل رئاسة الجمهورية اشهراً اضافية، ليس فقط الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية، بل الى ما بعد تسلّم الرئيس الاميركي الجديد لمهامه في كانون الثاني المقبل، وربما ابعد من ذلك بكثير".

وفي سياق متصل، كان لافتاً الاجتماع الديبلوماسي الموسّع الذي عقده رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في السراي الحكومي، وحضره ممثلو البعثات الديبلوماسية للدول الاعضاء في مجلس الامن الدولي. حيث اكّد ميقاتي "وجوب اتخاذ مجلس الأمن إجراءات أكثر فاعلية وحسماً في معالجة الانتهاكات والهجمات الاسرائيلية على المدنيين اللبنانيين".

مغريات

الى ذلك، كشف سفير عربي بارز لـ"الجمهورية"، انّ الحراك الجديد، ينطلق بتغطية اكيدة من الولايات المتحدة الاميركية، واطراف اللجنة الخماسية منخرطون جميعاً في جهد صادق لمساعدة اللبنانيين على بلورة حل رئاسي.

ولفت السفير عينه إلى أنّ السفراء يقومون بما اوتوا من جهد لتوفير المساعدة المطلوبة، انما القرار في نهاية الأمر هو في يد اللبنانيين، لاختيار رئيس لبلدهم. وقرارنا معلوم أنّ اللجنة لن تتبنّى أي مرشح، ولن تطرح اي اسم، ولن تشارك في الاختيارات، كما انّها ملتزمة بكل اطرافها بعدم وضع اي "فيتو" على اي مرشح رئاسي يتمّ التوافق عليه. ودعوتنا المتكررة للبنانيين هي ان يستفيدوا من التجارب السابقة، ويسارعوا الى طرح مرشحيهم او سلة من الاسماء، والجلوس معاً على الطاولة للاتفاق على واحد من بينهم لا يشكّل تحدّياً لأحد ولا يستفز اي طرف، ولا يدخل في خصومات او عداوات مع هذه الدولة او تلك، بل يقف على علاقة صداقة مع الجميع من دون استثناء، وهذا هو المطلوب للبنان، ليس في هذه المرحلة فحسب، بل في كل المراحل.