لم تمض ساعات على ظهور فيلم (ملفات بيبي) The Bibi Files في مهرجان تورنتو السينمائي، وهو وثائقي عن الاتهامات والتحقيقات التي اجريت حول فساد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وقبوله هدايا لا يحق له قبولها مستغلاً بالتالي منصبه بمئات الآلاف من الدولارات (مع افراد عائلته زوجته وابنه)، حتى تصاعدت حدة الحملات عليه في وسائل الاعلام وبدأت تأخذ طريقها الى الشارع الاسرائيلي المنقسم اصلاً حول شخصية رئيس حكومته الحالية.
وعلى الرغم من محاولات نتنياهو وقف عرض الفيلم في المهران، الا انه اخذ طريقه الى المشاهدين، وينتظر ان يلاقي الكثير من الاقبال كونه من النوع الوثائقي ما يعني انه يتضمن ادلّة ووثائق وفيديوهات تظهر اجزاء من التحقيقات التي اجريت، ولكن اللافت في الفيلم ايضاً، وفق ما تم تسريبه ممن شاهدوه، هو ما يتضمنه في الجزء الاخير منه والمتعلق بالحرب على غزة، لجهة التلميح مباشرة الى مسؤولية نتنياهو عن تعزيز قوة ونفوذ حركة "حماس" (قبل السابع من تشرين الاول الفائت)، حيث ردّد عبارة وردت على لسان الممثل الراحل مارلون براندو في فيلم "العراب"، مفادها: "أبقِ على اصدقائك قريبين، وعلى اعدائك اقرب، وبهذه الطريقة تخفّف من اللهيب، نحن نتحكم باللهيب". ووفق هذه النظرية، فإن رئيس الوزراء كان يحاول السيطرة على "حماس" من خلال السماح بتعزيز حضورها على الساحة، معتقداً ان بمقدوره السيطرة عليها، وارضاء اليمين المتطرف الذي كان ولا يزال الركيزة الاساسية للحكومة عبر الايحاء للمسؤولين المتشددين (ومنهم على سبيل المثال الوزير الحالي ايتمار بن غفير) ان اسرائيل قادرة على السيطرة على الفلسطينيين وعلى منظماتهم العسكرية وفي مقدمها "حماس"، مع الحرص على ابقاء خطر هذه الحركة الفلسطينية قائماً لضمان حصوله على دعم المتشددين.
ولكن، ما حصل بعد عملية "طوفان الاقصى"، وضع نتنياهو في موقف اكثر من حرج، وكان لا بد له من اعلان الحرب ليبقي على كل ما عمل من اجله، فيرتاح من عبء الدعاوى القانونية وتهم الفساد من جهة، ويحافظ على دعم المتشدّدين وعلى الحكومة التي يرأسها والتي ستنهار حتماً في حال ادار اليمين المتشدد ظهره لها.
اليوم، وبعد ظهور الفيلم، وفي حال تفاعلت ردود الفعل عليه خصوصاً من الناحية الشعبيّة، فقد يرى نتنياهو نفسه مجدداً امام مشهد سبق ان واجهه، وسيحاول قدر المستطاع ان يهرب الى الامام عبر الاسراع في شن الهجمات العسكرية، وهو ما بدأ الاسرائيليون الترويج له في اليومين الماضيين، عبر القول ان الحرب مع لبنان باتت على الابواب ولا مفرّ منها، علماً ان القاصي والداني يعلم تماماً ان اي خطوة من هذا النوع لا تحظى بموافقة الاميركيين، ستكون بمثابة انتحار للاسرائيليين، على الصعد كافة. وفي حين رأى الكثيرون ان تواجد قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي مايكل إريك كوريلا في مقر القيادة الشمالية للجيش الاسرائيلي هو بمثابة مباركة من واشنطن للحرب على لبنان، فإن مصادر اخرى تؤكد ان هذا التواجد يجب ان يكون مصدر تهدئة للنفوس، واعتباره دليل على ان الادارة الاميركية لا تزال تشد رسن نتنياهو وتمنعه من الجنوح الى الجنون المطلق، مستندة الى ما يقوله كبار القادة العسكريين الاميركيين المعطوفة على تصريحات المسؤولين الرسميين في واشنطن، والتي تصب كلها في خانة التحذير من ان الحرب على لبنان تعني اغراق المنطقة في دوامة ستصل ارتداداتها الى العالم اجمع. ويضيف هؤلاء ان احداً من المسؤولين الاميركيين (جمهوريين وديمقراطيين على حد سواء) لا يرغب في الموافقة على اندلاع حرب في الشرق الاوسط، وما ردّده المرشح الجمهوري الحالي الرئيس السابق دونالد ترامب من انه سيعمل فور انتخابه على انهاء الحرب بين اوكرانيا وروسيا، واعادة السلام الى ربوع الشرق الاوسط، لا يحمل التأويل.
اذاً، هناك توجه يقول بأن الامور ستبقى في حدود السيطرة، ولكن لحظات الجنون لا يمكن لاحد التكهن بها، والعواطف التي تجيّشها الافلام في النفوس تبقى خطيرة جداً.