واخيراً، حصلت المناظرة التي طال انتظارها بين المرشح الجمهوري للرئاسة الاميركية الرئيس السابق دونالد ترامب، والمرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس الحاليّة كامالا هاريس، فجر اليوم بتوقيت بيروت. وفي حين كانت المناظرة السابقة التي جمعت ترامب بالرئيس الحالي جو بايدن (قبل انسحابه من السباق الرئاسي) مجرد نزهة بالنسبة اليه، وانتهت فوراً باكتساحه الرئيس الحالي، فإنّ هذه المناظرة كانت مختلفة كلياً، وواجه الرئيس السابق امرأة اتّفق الجميع على انها تحضّرت بشكل اكثر من جيد، وكانت اجوبتها جاهزة ومنسّقة، حتى انها وضعت ترامب في اغلب الاحيان حيث تريد، وبدا وكأنّها ممسكة بزمام المناظرة اكثر من منافسها. ولعل ما حصل بعدها مباشرة، يؤكّد ان ترامب لم يكن في وضع جيد، اذ هاجم مؤيّدوه ومسؤولون في الحزب الجمهوري محطّة ABC وصحافييها لاستخدامهم مسألة "التدقيق الفوري" في كلام المرشح الجمهوري حول عدد من الامور، ضدّه، ومنها على سبيل المثال لا الحصر انّ مهاجرين لاتينيين يأكلون القطط والكلاب العائدة لاميركيين، وان ولايات اميركية تسمح بقتل الاطفال الحديثي الولادة، وهو ما نفاه المحاورون بشكل حاسم وسريع.

ردّ الفعل الجمهوري هذا، اكّد ان الادوار انقلبت، وفيما كان ترامب بالغ الارتياح في مناظرته مع بايدن، تحوّل الى "متوتّر" بعد مناظرته مع هاريس، وما بدأ بمصافحة نادرة بين المتنافسين الرئاسيين الاثنين، انتهى بتنافر واضح وهجوم شخصي عنيف، فارتكزت هاريس الى خلفيتها القضائيّة للتعامل مع ترامب على انه متّهم واستعملت مرادفات استفزّت منافسها على غرار انّ 81 مليون اميركي طردوه في الانتخابات الماضية، وان حملاته الانتحابية مملّة، وهو ما اثار حفيظة الرئيس السابق الذي تشتّت تركيزه. وفيما حظيت المواضيع الداخلية الاميركيّة بحصّة الاسد في المناظرة (الاقتصاد، الصحة، العدل، المهاجرين، النظرة الى الاعراق، حقوق المرأة...) بدا وكأنّ الحرب على غزة، كما الحرب بين روسيا واوكرانيا، كانتا بمثابة "ضيف شرف" على المواجهة الكلامية فقط. اذ اكتفت هاريس بترداد موقفها وموقف الحزب الديمقراطي الذي يدعمها من الحرب بقولها ان ما قامت به حماس في 7 تشرين الاول الفائت هو امر مروّع، وان الردّ الاسرائيلي بقتل الآلاف يجب ان يتوقّف ومن الضروري الوصول الى وقف اطلاق النار ورؤية الدولتين.

في المقابل، لم ينجح ترامب تماماً في استمالة اللوبي اليهودي، اذ اكتفى بالقول ان هاريس تكره اليهود ولا تحب العرب، كما انها لم تقم وزناً لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حين زار اخيراً الولايات المتحدة، وان اسرائيل ستزول اذا تم انتخابها رئيسة لاميركا. وبذلك، تفادى المرشحان الدخول في العمق في هذه المسألة الحسّاسة والتي تستقطب اهتمام العالم اجمع، ربما لعلمهما انّ حساسية الوضع قد ترتدّ عليهما اذا ما استفاضا بالحديث عن الموضوع، وهو امر لم يقم اي منهما في المخاطرة به، وللتشديد ايضاً على ان السياسة الاميركية تجاه هذا الوضع لن تتغيّر بشكل دراماتيكي اياً كان الفائز الرئاسي.

اما فيما يخص الحرب بين اوكرانيا وروسيا، فبدا واضحاً ان المرشحة الديمقراطية وضعت ترامب في مكان لا يرغب في التواجد فيه، فشدّدت على ان الديكتاتوريين من امثال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرغبون فعلاً في رؤيته مجدداً في البيت الابيض، لانهم يعلمون انه بمقدورهم التحكّم به عبر المديح والمال، وان الخبراء العسكريين الدوليين يسخرون منه، فيما كان ردّ ترامب انه قام بما لا ولن تجرؤ عليه هاريس حين طالب حلف شمال الاطلسي وغيره من الحلفاء بدفع الاموال لاميركا لتأمين الحماية. وفي الحالتين ايضاً، لم تأخذ هذه الحرب حقّها، خصوصاً بعد ان تمّ دفع مليارات الدولارات من قبل اميركا واوروبا الى اوكرانيا لتسليحها وتمكينها من مواجهة الجيش الروسي، والتهديدات التي فرضتها هذه الحرب لجهة تغيير خريطة النفوذ السياسي والعسكري والمالي العالمي.

نقاط كثيرة تمّ التطرق اليها ايضاً ولكن غلب عليها الطابع الداخلي، فهل تمّ الاعلان عن فائز؟ ليس الامر بهذه السهولة على قدر ما كان عليه في المناظرة التي جمعت ترامب وبايدن، ولكن من الواضح ان مخيّم الجمهوريين ليس راضياً عما آلت اليه الامور، على عكس المخيّم الديمقراطي الذي سارع الى طلب مواجهة ثانية، للدلالة على مدى ارتياح مرشّحته لنتيجة المناظرة.