برز، في الأسبوع الحالي، مشهدان لافتان، في مسار الأزمة السورية، القائمة منذ العام 2011، الأول كان إفتتاح السفارة السعودية في دمشق بشكل رسمي، أما الثاني فهو إنسحاب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، خلال إلقاء وزير الخارجية التركية هاكان فيدان كلمته، خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في دورته العادية الـ162، الثلاثاء، بمقر الأمانة العامة للجامعة في القاهرة.

المشهد الأول، يؤكد أن مسار العلاقات الرياض-دمشق يتقدم، من ضمن الإطار الذي كان قد بدأ خلال القمة العربية التي عقدت في السعودية، التي كرست عودة سوريا إلى الجامعة العربية، من خلال مشاركة الرئيس بشار الأسد فيها، أما المشهد الثاني فيؤكد أن عودة العلاقات السورية التركية إلى طبيعتها، لا تزال تحتاج إلى الكثير من الجهود، بالرغم من الحماسة التي كانت قد عبرت عنها أنقرة في الأشهر الماضية.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى نقطة أساسية تقود إلى التمييز بين المسارين، تكمن بأن تركيا تحتل أراض سورية، الأمر الذي تؤكد دمشق أنه يمثل عائقاً لا يمكن تجاوزه، وبالتالي البحث في تطوير العلاقات بين الجانبين يتطلب معالجة هذه المشكلة، الأمر الذي يختلف عما هو قائم بالنسبة إلى العلاقة مع الرياض أو مع الدول الخليجية عامة، ما ساهم في تقدمها من دون عقبات كبرى، على عكس ما هو الحال بالنسبة إلى العلاقة مع أنقرة، بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذل من قبل بعض الجهات، خصوصاً روسيا وإيران.

بالإضافة إلى ما تقدم، ترى هذه المصادر أن ما حصل يؤكد أن سوريا ترى أن الأولوية هي نحو تعميق علاقاتها مع الدول العربية الخليجية، وهو ما قد يبرر البرودة في تعاطيها مع التصريحات التركية، طوال الفترة الماضية، حيث تلفت إلى أن التقدم في العلاقة مع الرياض، بشكل خاص، لا يقتصر على إفتتاح السفارة السعودية في دمشق بشكل رسمي، بل يمتد ليشمل مجموعة من الملفات الأخرى التي ستظهر تباعاً.

وتوضح المصادر نفسها أن العديد من الجهات كانت قد سعت إلى عرقلة هذا التطور، في الفترة الماضية، لكنها تشير إلى أنها فشلت في ذلك، بسبب وجود قرار سعودي واضح بالإستمرار فيه، وبالتالي لم يعد من الممكن الحديث عن إمكانية عودة الأمور إلى الوراء بأي شكل من الأشكال، خصوصاً أنه يرتبط، بشكل أو بآخر، بالتطورات المنتظرة على مستوى المنطقة برمتها، بعد إنتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجنوب لبنان.

في هذا المجال، تلفت المصادر المتابعة إلى أن هناك مجموعة من المعطيات التي ينبغي التوقف عندها، خصوصاً بالنسبة إلى المواقف التركية المستجدة، حيث تحدث الرئيس رجب طيب أردوغان، في الفترة الماضية، عن تحالف يضم أنقرة ودمشق والقاهرة في مواجهة المشاريع التوسعية في المنطقة، في إشارة منه لإسرائيل، مؤكداً أن تل أبيب لن تتوقف في غزة إذا استمرت بهذا الشكل، إنما ستحتل رام الله أيضاً، وستوجه أنظارها نحو مناطق أخرى في لبنان وسوريا ودول جديدة في المنطقة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، حديث الرئيس التركي يتطلب ترجمة عملية على مستوى العلاقات مع دول الجوار، تحديداً سوريا، الأمر الذي لا يبدو أن أنقرة في وارد البحث الجدي في ما تطالب به دمشق على هذا الصعيد، على الأقل حتى الآن، بينما في المقابل لا يبدو أن دمشق في وارد تقديم أي تنازلات على هذا الصعيد، نظراً إلى التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك، لا سيما أن الثقة بإستمرار أردوغان على المواقف نفسها غير موجودة.

في المحصلة، ترى المصادر نفسها أن التحولات القائمة على مستوى المنطقة لا يمكن الإستهانة بها، وهو ما ينطبق أيضاً على تلك الموجودة في سياق الملف السوري، لكن الأساس يبقى أن طريق عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة لا تزال تصطدم بالعديد من العقبات، بسبب حجم المشاكل التي تواجه تركيا على هذا الصعيد، سواء كان ذلك على المستوى الداخلي أو على مستوى العلاقة مع المجموعات السورية المعارضة المتواجدة في المناطق الحدودية.