لا يخفى على احد بُعد المسافة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وهي آخذة بالاتساع اكثر فأكثر لاسباب عديدة تعود لعقود من الزمن، لم تقدر الاحداث والتطورات ولا حتى التقارب الذي حصل قبيل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، التخفيف منها او ازالتها. اليوم، أضيف عنصر جديد الى عناصر التوتر القائمة، وتمثل بخروج اربعة نواب من التيار الوطني الحر وهم: الياس بو صعب، ابراهيم كنعان، آلان عون وسيمون ابي رميا. لا شك ان مؤيدي التيار منقسمون، فمنهم من ساند قرار القيادة، ومنهم من رأى انه كان بالامكان الحفاظ على النواب الاربعة بطريقة او بأخرى وتفادي تشتيت الاصوات. ولكن هناك من انزعج الى حد كبير من فكرة ان ينضم هؤلاء النواب الى القوّات اللبنانيّة، فيزيدون من حجم تمثيلها النيابي على حساب التيار ويجعلونها اكثر قابليّة في الشارع المسيحي وقد يتمّ تكريسها الزعيمة الاكبر للمسيحيين، خصوصاً وانّ احد هؤلاء النواب (كنعان) كان اساسياً في "اتفاق معراب" وشعار "اوعا خيّك"، ويملك صداقات مع نواب القوات قد تكون سبباً في انتقاله الى صفوفهم.
مصادر قريبة من التيار ومن النواب الاربعة علّقت على هذا التوجّس، وشدّدت على انّه من شبه المستحيل ان يتحوّل هذا السيناريو الى حقيقة لاسباب كثيرة وعديدة اوّلها انّ هؤلاء النواب، ولو انهم تركوا التيار وباتوا على خلاف مع قيادته وتحديداً مع رئيسه النائب جبران باسيل، الا انهم لا يمكن ان يتركوا مسيرتهم ومؤيديهم من التيار (أكانوا حزبيين ام مؤيدين)، وانهم يعتبرون ان احد اسباب الخلاف الرئيسية هو اختلاف التطبيق للرؤية والنهج الذي ساروا عليه جميعاً.
في المقابل، تضيف المصادر نفسها، لا تشعر قيادة التيار الوطني الحر بأيّ قلق لجهة انتقال هؤلاء النواب الى المقلب الآخر والانضمام الى القوّات اللبنانية، لأنّها تدرك ان القاعدة الشعبية التي يستند اليها هؤلاء لن تتفهّم مطلقاً هذا الانتقال، وسيكون ذلك سبباً لقطع العلاقات بينهم وبين هذه القاعدة، وعلى الرغم من الخلاف الكبير الذي نشأ بين القيادة والنواب الاربعة، فإنّ النظرة متوافقة على انهم لن يكونوا في صفوف القوّات.
لذلك، ترى المصادر، انّه يمكن أنْ يتلاقى هؤلاء النواب مع نظرائهم القواتيين في بعض المواضيع ومشاريع القوانين، وسيمتلكون بالطبع هامش تحرّك اوسع لعدم ارتباطهم بتعليمات وسياسة التيار، ولكنهم لن يكونوا جزءاً من كتلة القوّات في المجلس النيابي، لا بل اوضحوا من خلال تحركهم، انهم سيحاولون تشكيل حيثيّة مستقلة قد تلعب دوراً في بعض القرارات التي يتّخذها المجلس النيابي، حتى ولو لم ترضِ الطرفين المختلفين (اي التيار والقوات). ولكن المصارد لم تستبعد ان تؤدّي "النكايات" الى سياسة "تسجيل نقاط"، مع كل ما يعنيه ذلك من اضعاف لقوّة الجهتين المعنيتين (أيّ التيار والنواب الاربعة)، وربّما يكون 22 تشرين الأوّل الاستحقاق الرسمي الاول في هذا السياق لمعرفة الطريق الذي سيتم اتخاذه في هذا المجال، والمنحى الذي ستأخذه الامور، وفرص نجاح التفاهم على اسس تُبقي نشر "الغسيل الوسخ" في حدّه الادنى لما فيه مصلحة الاثنين.
وقد يكون المثل القائل إنّ مصائب قوم عند قوم فوائد، صحيحاً في حالة التيار والقوّات انّما من منظار مختلف، لانّ ضعف التيار السياسي والتمثيلي ستستغلّه القوّات من دون شك لمصلحتها، وستقبل هذه الهديّة المجانيّة من دون تردّد، وقد تفتح خطوط تواصل مع النواب الاربعة مع معرفتها التامة وقبولها بعدم القدرة على ضمّهم اليها، فيما سيكون الثقل الاكبر على هؤلاء النواب تحديداً لاظهار قدرتهم على تحقيق شخصيّتهم الجديدة المستقلّة كلياً عن الآخرين والتي رغبوا في اطلاقها من الديمان تحديداً.