أتيحت لي فرصة مشاركة اهالي مدينة عاليه في الاحتفال الذي أقيم في باحة كنيسة القدّيس جاورجيوس للروم الأرثوذكس، لمناسبة تكريم أديب حداد وسلوى الحاج (أبو ملحم وأم ملحم)، وإزاحة الستارة عن تمثاليهما عند الحي الغربي في المدينة.
جاء هذا الاحتفال في الوقت والمكان المناسبين كرسالة إلى ضمير أهل السّياسة في لبنان خصوصًا، واللبنانيين عمومًا. فالكلمات كلّها أشارت إلى أمسّ حاجتنا لأشخاص على مثال شخصيّة أبو ملحم، الذي عرفناه مُصلحًا إجتماعيًا ومطلقًا للآراء الحكيمة والأفكار البنّاءة ومحاورًا لبقًا ومقرّبًا للمسافات.
أبو ملحم سبق عصره في ذاك الوقت، وحمل في أفكاره رؤىً نبويّة، حيث كان يستشرف المستقبل من خلال حاضره.
سمعتُ كثيرين من المشاركين يقولون ما أشبه الأمس باليوم، ذلك انّ الاداء السّياسي والزعامات والتحزّبات والسمسرات والخصومات والخزعبلات والسرقات والفساد، التي عالجها أبو ملحم وأم ملحم وأضاءا عليها في برنامجهما "يسعد مساكم" ما زالت تتكرّر في عصرنا هذا وبمستويات عالية.
لقد سهى عن بال معظم المتكلّمين، باستثناء حفيدة المكرَّمَين، الإشارة إلى إيمان أبو ملحم واستقامة رأيه وفكره وعقيدته. لقد أضاءت السيدة نضال زياد حداد على موهبة الترتيل التي كان أبو ملحم يتمتّع بها، وقد استثمر هذه الوزنة في كنيسته، كنيسة القدّيس جاورجيوس في عاليه. وذكرت أنها كلما مرّت بهذه الكنيسة، تسمع صوت جدّها يسبّح الله ويكّرمه بحرارته المتمايزة، وهذا دليلٌ واضح انّ أبا ملحم استقى من الكتاب العزيز (الإنجيل المقدّس) ومن معين تراث كنيسته الكثير.
هذا أمرٌ وددتُ الإشارة اليه، إذ لطالما سمعت شهادات شخصيّة من جدّي لأمي، الخوري إيليا الخوري، الذي خدم رعية عاليه أواسط الخمسينات، وقد رافقه أديب حداد على "القرّاية" في هذه الكنيسة. هذا بالاضافة الى النشاطات الثقافية والاجتماعية التي تعاونا في حينه على تنفيذها، بمشاركة أم ملحم.
ما لفتني ايضًا، التحيّة التي وجّهها النائب أكرم شهيب، خلال إلقاء كلمته، إلى روح الأبوين الياس الحداد وجورج مسّوح، اللذين خدما رعية عاليه بأمانة وإخلاص، وهذا دليل وفاء وعرفان بالجميل.
في الخلاصة، كان الحفل راقيًا ورائعًا، دعت إليه بلدية عاليه مشكورةً، ورعاه وزير الإعلام زياد مكاري، بمشاركة عدد كبير من السياسيين وأهل الفنّ والشعر والقلم والإعلام، وقد أبى راعي أبرشية جبل لبنان للروم الأرثوذكس، سيادة المطران سلوان موسي، إلّا أن يشارك شخصيًا في هذا الحدث، خصوصًا أنّ أحد أبنائه الكبار من هذا الجبل يُكرَّم.
يبقى أن يستحضر السياسيون عندنا روح أبو ملحم وأم ملحم، من أجل أن يقتدوا بهما وبما تركاه لنا من إرثٍ فكري وحِكَم وامثال لا تموت. لا أن يكتفوا بالتصفيق لمآثر أبو ملحم. في الماضي كان أبو ملحم وأم ملحم يحلّان المشاكل على فنجان قهوة، أما اليوم فهناك مؤامراتٌ ومصائب تحاك على فنجان قهوة، أيا ليت الماضي يعود وتعود معه القيمُ والأخلاق واللياقةُ والترتيب، كما عرفناهم ايّام الزمن الجميل.