على وقع الحراك المتجدّد لـ"اللّجنة الخماسيّة" على خطّ الاستحقاق الرّئاسي، أكّدت مصادر "الخماسية" لصحيفة "الجمهورية"، أنّ "اللجنة مدركة لحجم التعقيدات بين الأفرقاء في لبنان، لكنها تعتبر أنّ من الخطأ الحكم المسبق على مسعاها قبل أنّ ينطلق، فالطريق ليس مقفلاً في وجهها، بل هو مفتوح للتقدّم أكثر الى الأمام، وخصوصاً انّ حراكها الآني استثنائي في ظرف استثنائي، وحافزها إجماع دولي اكيد على التعجيل في انتخاب رئيس للبنان، مدفوع بقراءة مفصّلة للظروف المتقلّبة في المنطقة والتطورات المتسارعة فيها، وواقع لبنان ربطاً بها، توجب هذا التعجيل؛ واللجنة الخماسية تعمل لتهيئة الأجواء لذلك".

وأوضحت أنّ "الاولوية التي تتصدّر حراك "الخماسية" ليس المرونة المطلوبة من مختلف الأفرقاء فحسب، بل تأكيد الفصل بين الجبهات، وعدم ربط الملف الرئاسي بملف الحرب سواء في غزة، او في المواجهات الدائرة على جبهة الجنوب. وتوازياً تأكيد الضرورة والحاجة الملحّة إلى اتخاذ الواقع الحربي دافعاً قوياً للأفرقاء في لبنان للتعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية، ولاسيما أنّ انتخاب الرئيس لا يشكّل ضرورة وأهمية آنية فحسب، بل يشكّل استباقاً مطلوباً بقوة لما ستشهده المنطقة من تحدّيات والتزامات، توجب ان يكون في لبنان رئيس يتحدث باسمه".

بوريل: لا تنتظروا الحرب وانتخبوا رئيسكم

بدورهم، أشار بعض من التقوا بموفدين دوليين في لبنان، خلال الفترة الماضية، إلى أنّ "الحصيلة البديهيّة التي يخرج بها زوار لبنان، هي أن الأطراف السياسية اللبنانية تفتقد إلى الفعّالية التي تحتّم التعامل معها من قبل الإقليم والخارج بطريقة مُختلفة، فيما ينصبّ التركيز على إيجاد قنوات اتصال مع "حزب الله لامتلاكه" أدوات تأثير كبيرة في الملفات الإقليمية، ما ينعكس نفوذاً قوياً له في الداخل اللبناني".

ولفتوا إلى أنّ "ما وصفه أحد الموفدين بـ"الاستنتاج الخطير"، هو أن الجهات اللبنانية المتضرّرة من الوضع القائم، التي تطالب بتغييرات كبيرة على صعيد إدارة الدولة ومواقع النفوذ فيها، تُراهن فقط على التحوّلات الخارجية، ولا تُظهر أي نية جدية لإحداث خرق في العلاقات الداخلية. وأوضح أن الدول النافذة في الإقليم والعالم "تتعامل مع مواقع لبنانية تعتقد بأنها مُؤهّلة للعب دور كبير"، في إشارة مُباشرة إلى مؤسسة الجيش اللبناني".

ونقل المصادر نفسه عن أحد الزوار، أنه "كما لا يوجد في لبنان من يقدر على تعطيل ماكينة "حزب الله"، أو وقف قدراته العسكرية والمالية، فإن حاجات الجيش اللبناني يُمكن توفيرها الآن من خلال العلاقة المُباشرة بين قيادته والدول المهتمّة، سواء الولايات المُتحدة أو غيرها من الدول الغربية، للحُصول على دعم تسليحي ولوجستي كبير، أو السعودية وقطر وجهات أخرى تُوفّر أشكالاً مُختلفة من الدعم المالي لتعزيز وضع الأفراد فيه".

وركّز على أن "مسؤولاً أوروبياً بارزاً كالممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية وال​سياسة​ الأمنية جوزيف بوريل أعرب عن صدمته من الأسئلة التي وُجّهت إليه، حول انعكاسات الحرب الجارية على الملف الرئاسي. وصُدم أكثر من ردّة فعل سياسيين لبنانيين، عندما قال لهم إن انتخاب الرئيس هو مسألة لبنانية لا يُمكن إنتاجها من الخارج، وإن السعي إلى وقف التصعيد على الجبهة بين لبنان وإسرائيل، سيساهم في تحسين الوضع الداخلي".

وأضاف: "ساعده أحد السفراء في حديثه بالقول: "مُشكلة الرئاسة سابقة على الحرب في غزة وعند الحُدود الجنوبية، وسببها الانقسام الداخلي الكبير. وليس صحيحاً أنه يُمكن لأحد أن يستثمر في نتائج ما يحصل في المنطقة في الملف الداخلي، وتجارب لبنان تؤكّد أن مُحاولة فرض خيارات رئاسية أو حكومية رغماً عن فئة كبيرة من اللبنانيين، باءت بالفشل عند أول انعطافة في الأوضاع الخارجية".

لا معلومات رسمية عن زيارة قريبة لهوكستين

في سياق متّصل، قللت مصادر شاركت في جانب من لقاءات بوريل، عبر صحيفة "الشرق الأوسط"، من "أهمية زيارته"، ووصفتها بأنها "وداعية" عشية مغادرته منصبه.

وشدّدت مصادر مقربة من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لـ"الشرق الأوسط"، أنه "لم يتلقَّ أي رسالة من بوريل، لكن خلال اللقاءات الوداعية التي أجراها الأخير مع القيادات اللبنانية، دعا إلى الالتزام بالقرار 1701 خياراً وحيداً لنزع فتيل الانفجار والتمهيد للحل السياسي".

ونفت "تلقّي لبنان معلومات رسمية عن زيارة قريبة لمبعوث الرئيس الأميركي أموس هوكستين إلى بيروت". ونقلت عن شخصية دبلوماسيّة مطلعة على أجواء واشنطن، أن هوكستين "سيزور تل أبيب في مهمّة صعبة تتعلّق بوقف النار في غزّة، فإذا نجح بهذه المهمة فقد يعرّج على بيروت، لكن لا تفاؤل بإمكان الوصول إلى نتائج إيجابية".

ولم تُخفِ المصادر أن "الوفود الدولية باتت مقتنعة بأن ظروف الحلّ في لبنان غير ناضجة، أقله لجهة إقناع "حزب الله" بفصل جبهة غزّة عن لبنان".

وأكّدت أن "ميقاتي كثّف في الأيام الأخيرة اتصالاته بدول القرار، ولقاءاته مع سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، لحضّهم على ممارسة الضغط الكافي على إسرائيل لوقف اعتداءاتها واستباحتها للسيادة اللبنانية، ووضع حدّ للتدمير الممنهج"، مشيرة إلى أنه "دائماً ما يحذّر من خطر انزلاق الأمور نحو حرب واسعة تريدها إسرائيل بأي ثمن".

مخاوف ... لكن لا حرب

في موازاة ذلك، كشف مصدر دبلوماسي مسؤول، لصحيفة "الجمهورية"، أنّ "القنوات الدبلوماسية مفتوحة مع أكثر من مصدر خارجي، وثمة مخاوف غربية كبرى على جبهة لبنان، وكذلك من أنّ ضعف احتمالات التوصل الى صفقة تبادل، قد يقود العمليات الحربية الاسرائيلية في غزة والضفة الغربية إلى منعطف خطير يوسّع دائرة الحرب".

إلّا أنّ المصدر عينه، وعلى الرغم هذه المخاوف الغربية، لا يرجّح "احتمالات توسيع الحرب"، وردّ ذلك الى "عاملَين اساسيين يقلّلان من فرص الحرب، يتجلّى الاول في أنّ مستوى التحذيرات لدى مستويات عسكرية وسياسية في اسرائيل من الحرب على لبنان، أعلى من الدعوات المقابلة إلى شنّ الحرب، ناهيك عمّا يُعلن في اسرائيل عن وضع منهك للجيش الاسرائيلي جراء مأزق الحرب في غزة، الذي زاد تفاقماً مع تمدّده إلى الضفة الغربية، اضافة الى أنّ التهديدات الاسرائيلية ورغم وتيرتها المتصاعدة؛ ما زالت تحمل في طياتها نافذة نحو الحل السياسي".

وفسّر أنّ "العامل الثاني يتجلّى في الكابح الأميركي للحرب الواسعة وتمدّدها إلى جبهة جنوب لبنان"، لافتًا إلى أنّ "خط التواصل لم ينقطع بين مستويات لبنانية مختلفة وبين الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين". وذكّر بأنّ "الاميركيين مارسوا ضغوطاً كبرى لإبقاء الوضع محصوراً في نطاق "تصعيد مضبوط"، حتى تبلوُر الحل السياسي بعد انتهاء حرب غزة".

وبيّن المصدر أنّ "الإشارات الأميركية تتوالى وتؤكّد عزم واشنطن على تخفيض سقف الاحتمالات الحربية الواسعة، ولعلّ أبلغ اشارة، ورداً على لسان المسؤول الاميركي الكبير، الذي حذّر من عواقب الحرب الاسرائيلية على لبنان، التي اذا ما اندلعت لن تبقى بيوت يعودون اليها، هي رسالة إلى كل الاطراف؛ وواشنطن أبلغت ذلك بوضوح الى المستويات السياسية والعسكرية في اسرائيل".

لا ثقة

بدوره، شدّد مرجع سياسي لـ"الجمهورية"، على أنّه "لا يثق بوجود ضغوط اميركية آنية او لاحقة على اسرائيل لوقف حربها. فلو شاءت واشنطن ان توقف الحرب من البداية لأوقفتها، رغم أنف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزرائه المتطرّفين. ومن هنا لا ارى أفقاً لانفراج قريب في غزة، كما لا أفق لحل سياسي لجبهة الجنوب، ولا بحث في أي صيغ او افكار لهذا الحل، طالما أنّ العدوان مستمر على غزة".