انتشرت سحب دخان الكلام عن اقالة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال الساعات القليلة المقبلة، والذي للصدفة تزامن مع ارتفاع كبير في التهديدات الاسرائيلية عن العزم على فتح جبهة الحدود مع لبنان على مصراعيها. وبما ان المنصب الذي يتولاه غالانت يرتبط بشكل مباشر بالجيش الاسرائيلي، فإن المنحى ذهب مباشرة نحو الشكّ بأنه يعارض خطط وقرارات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وان القرار اتخذ بتنحيته لقمع أي معارضة فعلية في مجلس الوزراء الإسرائيلي. ولكن، كل التحليلات والوقائع تشير الى عكس ذلك، فخطوة الإقالة، عند حدوثها، لن تكون مرتبطة بأيّ شكل من الاشكال بالوضع الميداني الذي تعاني منه إسرائيل ان في غزة او في الضفة الغربية او على الحدود مع لبنان، والحقيقة هي ان غالانت هو ضحية طموح نتنياهو السياسي وتشبثه برئاسة الحكومة لاطول فترة ممكنة. فلو كانت الخطط العسكرية الاستراتيجية هي بالفعل التي تحكم هذا القرار، لكان عمد نتنياهو الى خطوة الإقالة منذ اشهر وليس الآن، كما ان الكلام الصادر عن غالانت في الايام الماضية والذي ايّد فيه توسيع العمل العسكري على الجبهة اللبنانية، لا يتعارض بتاتاً مع رغبة نتنياهو في اتخاذ هذه الخطوة، وبالتالي ليس هناك من سبب جوهري لتغيير وزير الدفاع.
إضافة الى ذلك، وللمقارنة الاستراتيجيّة فقط، حين طُلب من رئيس حكومة تصريف الاعمال اللبنانية حالياً نجيب ميقاتي (وكان في حينه رئيساً لحكومة قائمة وفاعلة بكل المقاييس) تغيير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كان جوابه: "خلال الحرب لا يمكن تغيير الضبّاط". الغاية من هذا المثل هي الإشارة الى انه اذا كان ميقاتي (وهو مدني لا يملك أي خلفية عسكرية)، يعلم تماماً انّ تغيير الضباط والمسؤولين العسكريين خلال الحرب امر لا يجوز، الا يعلم نتنياهو وهو الضابط الميداني السابق الخبير والعليم بأمور الحروب، انه لا يجب تغيير وزير الدفاع في خضمّ الحرب؟ والأكثر خطورة من ذلك، الا يعلم انه لا يجب استبدال ضابط عسكري سابق في وزارة الدفاع بمسؤول مدني هو جدعون ساعر؟ وكيف سيتقبّل الضباط والجنود الإسرائيليون تلقي الأوامر، في عزّ الحرب، من مدنيّ لا يعرف التعامل مع العمليات العسكرية والاستراتيجيات الدفاعية والهجومية على حد سواء ومخاطرها وانعكاساتها؟.
ولهذا السبب تحديداً فإنّ فرضية اقالة غالانت في الوقت الراهن لا يمكن تفسيرها سوى لغاية سياسية وليس عسكرية، بمعنى آخر فإن نتنياهو يرغب في تعزيز تواجد المتشددين في حكومته، وهو على استعداد ان ينسى ان ساعر نافسه على زعامة حزب الليكود في وقت سابق (عام 2019)، قبل ان يؤسس حزب "الامل الجديد" الذي يحمل اهدافاً متطرفة منها على سبيل المثال عدم القبول بتاتاً بحل الدولتين. وعليه، فإن تواجد ساعر في الحكومة من شأنه ان يخفف عن كاهل نتنياهو الضغوط التي يمارسها عليه كل من وزيري المال والامن الداخلي بتسالئيل سموتريتش وايتمار بن غفير، بحيث من المتوقع ان يتراجع اندفاع بن غفير خصوصاً لان انسحابه من الحكومة، كما يهدد بين الحين والآخر، لن يؤدي الى انفراط عقدها ولا الى تراجع التأييد لها في الكنيست من قبل اليمين المتطرف.
هذا ما تنبّه له مسؤولون إسرائيليون وحذّروا من ان ما سيكسبه نتنياهو في السياسة من اقالة غالانت قد يخسره في الميدان، وهذا ما عارضه ايضاً اهالي الاسرى الذين اتهموا رئيس الوزراء بتفضيل مصالحه على إعادة الاسرى احياء. وتبقى العبرة في ما ستظهره الأيام القليلة المقبلة، لجهة تطور الاحداث، إن على الصعيد السياسي او على الصعيد العسكري.