أشار الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله، إلى أنّ "ما دعاني إلى الحديث اليوم، هي الأحداث الّتي حصلت في اليومين الماضيَين، وهي تستدعي كلامًا وتقييمًا وموقفًا"، متوجّهًا إلى "عوائل الشّهداء، سواءً شهداء التفجيرات في الداخل أو شهداء الجبهة في الجنوب، بأحر التعازي بفقد الأحبّة. وإلى الجرحى جميعًا بالدعاء لهم بالشفاء العاجل".
وتوجّه أيضًا في كلمة له، بالشكر إلى "الحكومة اللبنانية ووزارة الصحة العامة والمستشفيات والمراكز الصحية ومؤسسات الدفاع المدني والأطباء والممرضين، الذين أبلوا بلاءً حسنًا"، لافتًا إلى أنّ "لدينا مشكلة وهي أنّ حجم الإصابات بالعيون كان كبيرًا، ما شكّل ضغطًا على المستشفيات وأحيانًا تأخيرًا. ما شهدناه في اليومين الماضيين، هو تعاطي إيجابي وكبير واهتمام عال يُشكرون عليه".
وشكر السيّد نصرالله "كل المتبرّعين بالدم في مختلف المناطق اللّبنانية، وكل من بادر إلى نقل جريح، وكل الذين أعلنوا استعدادهم بأعضاء لهؤلاء الجرحى، وكل الأطباء الذين فتحوا عياداتهم بالمجّان، وكل الناس وأهلنا الطيبين وشعبنا اللبناني العزيز الذين تضامنوا وتعاطفوا، بمعزل عن الاعتبارات الطائفيّة والسياسية، وكل القيادات المتضامنة والمرجعيات والأحزاب والمؤسسات الإعلامية والثقافية والاجتماعية وغيرها".
واعتبر "أنّنا شهدنا في لبنان مجدّدًا ملحمةً إنسانيّةً وأخلاقيّة كبرى، لم نشهدها منذ وقت طويل"، متوجّهًا أيضًا بالشّكر إلى "الدّول الّتي سارعت بتقديم الدّعم، وأرسلت طواقم وتجهيزات طبيّة، وكلّ من دان هذه الجريمة الإسرائيلية البشعة".
كما ركّز على أنّ "ما حصل يوم الثّلثاء الماضي، هو أنّه تمّ استهداف آلاف أجهزة "البيجر" من قبل العدو، وتفجيرها في وقت واحد. العدو تجاوز في هذه العمليّة كلّ الضوابط والقوانين والخطوط الحمراء، ولم يكترث لأي شيء على الإطلاق لا أخلاقيًا ولا إنسانيًا ولا قانونيًا". وذكر أنّ "التفجيرات وقع بعضها في مستشفيات، في صيدليات، في أسواق، في محلات، في بيوت، في سيارات، وفي الطرقات العامة، حيث يتواجد الكثير من المدنيين والنساء والأطفال. هو استخدم وسيلةً مدنيّةً مستعملة من قبل شريحة كبيرة في المجتمع".
وأوضح نصرالله أنّ "العدو عاود ذلك يوم أمس الأربعاء، بتفجير أجهزة غير لاسلكية، غير مكترث أيضا بأماكن حمَلتها"، مبيّنًا أنّ "بنتيجة هذا العدوان، ارتقى عشرات الشهداء، بينهم نساء وأطفال ومدنيون، وأُصيب الآلاف بجراح مختلفة، وستظهر الأرقام الحقيقية مع الوقت".
وشدّد على أنّ "العدو يعلم أن عدد أجهزة "البايجر" يتجاوز الـ4 آلاف، وهو يفترض أن هذه الأجهزة موزّعة على شباب "حزب الله"، وبالتالي عندما قام بتفجير أجهزة "البيجر" هذه، كان يتعمّد قتل 4 آلاف إنسان في دقيقة واحدة في الحدّ الأدنى. وأمس، كانت نيّته أيضًا قتل ألف شخص على الأقل من حاملي ومستخدمي الأجهزة اللاسكلية. إذًا، على مدى يومين، كان العدو الإسرائيلي يريد أن يقتل ما لا يقلّ عن 5 آلاف إنسان في دقيقتَين، من دون اكتراث لأي ضابطة".
وتساءل: "ماذا يمكن أن نسمّي هذا العمل الإجرامي؟ هو عمليّة إرهابيّة كبرى؟. إبادة جماعيّة؟ نحن سنتبنّى مصطلح مجزرتَي الثّلثاء والأربعاء، لتضاف إلى مجازر العدو الكبرى، منذ إيجاد هذه الغدّة السّرطانية والشر المطلق في منطقتنا". وأشار إلى أنّ "الله بلطفه وكرمه دفع الكثير من البلاء، لأن الكثير من هذه الإصابات كانت طفيفة، وعدد من أجهزة "البيجر" كانت مطفأة وبعضها لم يوزَّع بعد".
وأكّد نصرالله "أنّنا إذا اعتبرنا أنّ أحد أهداف ما جرى الثلثاء والأربعاء كان قتل 5 آلاف إنسان، فبنعمة الله ولطفه وبالجهود البشرية والهمّة العالية والغيرة والحضور الكبير لفئات شعبنا المختلفة، تمّ تعطيل جزء كبير من هذا الهدف"، معلنًا "أنّنا شكّلنا لجان تحقيق داخليّة متعدّدة، فنّيّة وتقنيّة وأمنيّة، وندرس كلّ السّيناريوهات والاحتمالات والفرضيّات. في موضوع التّفجيرات، وصلنا إلى نتيجة شبه قطعيّة، لكنّنا ما زلنا نحتاح إلى بعض الوقت لنتأكّد منها. ومجمل هذا الملف هو قيد التّحقيق والمتابعة الدّقيقة، وسنصل خلال وقت قصير إلى نتائج يقينة، وحين إذن سيُبنى على الشّيء مقتضاه".
وأضاف: "من دون شكّ تعرّضنا إلى ضربة كبيرة أمنيًّا وإنسانيًّا، وغير مسبوقة في تاريخ المقاومة في لبنان، في تاريخ لبنان، وقد تكون غير مسبوقة على مستوى الصّراع مع العدو الصّهيوني وعلى مستوى العالم بهذا النّوع"، منوّهًا إلى "أنّنا نعرف أنّ عدوّنا لديه تفوّق على المستوى التّكنولوجي، لأنّ الأميركي والغرب و"الناتو" معه".
إلى ذلك، لفت إلى أنّ "الثّلثاء والأربعاء كانا يومَين ثقيلَين وداميَين، وكانا امتحانًا كبيرًا، وسنستطيع أن نتجاوزه بشموخ ورؤوس مرفوعة"، جازمًا أنّ "هذه الضربة الكبيرة والقويّة وغير المسبوقة لم تسقطنا ولن تسقطنا، ومن خلال هذه التجربة ودروسها وعِبرها سنصبح أقوى وأمتن وأشدّ صلابةً وعودًا وقدرةً على مواجهة كل الاحتمالات والمخاطر".
وشدّد الأمين العام لـ"حزب الله"، إلى أنّ "جبهة الإسناد اللّبنانيّة كانت فاعلة ومؤثرة وضاغطة جداً على العدو، والدليل هو ما يفعله ويقوله العدو، بعيداً عما يقال هنا وهناك. عندما يقول نائب رئيس أركان سابق إن ما يجري في الشمال هو أول هزيمة تاريخية لإسرائيل، وعندما يقول آخرون إنّ "حزب الله" يحقّق إنجازات استراتيجية في الشمال، ويتحدّثون عن استنزاف الجيش وخسارة الشمال، فهذا دليل آخر على فعالية جبهتنا".
واعتبر أنّ "جبهتنا هي أحد أهم عناصر الضغط على كيان العدو في هذه المعركة، وأحد أهم جبهات الاستنزاف. الجبهة اللبنانية ضاغطة وبقوة، وهي من أهم أوراق التّفاوض الّتي تمتلكها المقاومة الفلسطينيّة اليوم لتحقيق الأهداف ووقف العدوان".
وأوضح أنّ "منذ اليوم الأوّل، سعى العدو إلى إطفاء جبهة الإسناد اللّبنانيّة وإيقافها، من خلال استخدام محاولات الضّغط والتهويل، وإن كان في الوضع الميداني التزم بنسبة كبيرة بقواعد الاشتباك الّتي نشأت. العدو حاول الفصل بين جبهة لبنان وجبهة غزة، وهذه الجريمة الكبرى الّتي ارتكبها جاءت في هذا الإطار".
وكشف نصرالله أنّ "بعد عمليّة الثّلثاء بساعات، وصلت رسائل عبر قنوات رسميّة وغير رسميّة، تقول بوضوح إنّ هدفنا من هذه الضّربة هو أن تتوقّفوا عن دعم غزة، وأن توقفوا القتال في الجبهة اللّبنانيّة، وإلّا فلدينا المزيد. فكان ما حصل الأربعاء هو "المزيد" الّذي توعّدونا به يوم الثّلثاء".
وتابع: "الهدف من هذه الضّربة هو فصل الجبهتين، وتوقّف الجبهة اللّبنانيّة. والجواب هو: باسم الشّهداء وعوائلهم والجرحى وكلّ النّاس الصّابرين والصّامدين، نقول لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الدّفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وحكومة العدو وجيشه، إنّ جبهة لبنان لن تتوقّف قبل وقف العدوان على غزة".
وأكّد أنّه "أيًّا تكن التّضحيات والعواقب والاحتمالات والأفق الّذي تذهب إليه المنطقة، المقاومة في لبنان لن تتوقّف عن دعم ومساندة أهل غزة والضفّة والمظلومين في تلك الأرض المقدّسة"، مبيّنًا أنّ "العدو هدف أيضًا إلى ضرب بيئة المقاومة، ومن خلال هذا التفجير الواسع هو يريد ضرب هذه البيئة واستنزافها وجعلها تصرخ وتقول لقيادة المقاومة "كفى"، وهذا الهدف كذلك سقط يومَي الثّلثاء والأربعاء".
وأشار نصرالله إلى أنّ "من جُملة الأهداف أيضًا ضرب بنية المقاومة، وضرب نظام القيادة والسّيطرة وتشييع حالة الوهن والارتباك في قيادة "حزب الله" وهذا لم يحصل لحظة واحدة على الإطلاق. فمنذ اللّحظة الأولى، كان هناك إدارة وقيادة وسيطرة ومتابعة للأحداث وإعلان جهوزيّة كلّ الأسلحة والقوّات في الجبهة"، مشدّدًا على أنّ "هذه البنية لم تتزلزل ولم تهتز، وبحمد الله وبتراكم الجهود وتضحيات المجاهدين والجرحى والكوادر، هذه البنية هي من القوّة والقدرة والتماسك والمتانة، ما لا تهزّه جريمة كبيرة بهذا الحجم".
وطمأن أنّ "بنيتنا كبيرة وقويّة ومتماسكة وقدراتنا كبيرة واستعداداتنا عالية، وليعرف العدو أنّ ما حصل لن يمسّ بنيتنا ولا إرادتنا ولا نظام القيادة والسّيطرة عندنا ولا جهوزيتنا ولا حضورنا في الجبهات، بل سيزيدنا قوة وصلابة وحضورا"، مضيفًا: "إذا كان الهدف فصل الجبهتين أو تزلزل البيئة، "ما يحلَموا".
كما ذكر أنّ "في الأسابيع الأخيرة، بدء الحديث في كيان العدو عن نقل الثّقل إلى الشّمال، وهدفه من ذلك إعادة "سكان الشمال الى الشمال بشكل آمن"، وأضافوا ذلك إلى أهداف الحرب. ولكن هل يستطيع نتانياهو أن يحقّق هذا الهدف؟".
وتوجّه نصرالله إلى نتانياهو وغالانت وجيش العدو، قائلًا: "لن تستطيعوا أن تعيدو سكّان الشّمال إلى الشّمال. لن تستطيعوا أن تعيدوا المستوطنين المحتلّين المغتصبين إلى المستعمرات في الشّمال، وافعلوا ما شئتم، وهذا تحدّ كبير بينا وبينكم"، جازمًا أنّ "السّبيل الوحيد هو وقف العدوان والحرب على قطاع غزة. لا تصعيد عسكريًّا، لا قتل، لا اغتيالات ولا حرب شاملة تستطيع أن تعيد السّكان إلى الحدود. بل على العكس، ما ستقدمون عليه سيزيد تهجير النازحين من الشمال، وسيُبعد فرصة إعادتهم".
ولفت إلى أنّ "قائد المنطقة الشّماليّة الأحمق اقترح إقامة حزام أمني داخل الأراضي اللّبنانيّة، وأقول له نحن نتمنّى ذلك، لأن جنود العدو لديهم تحصينات ضخمة على الحدود، وهناك اجراءات بالاختباء، ونحن نبحث عن الجندي والدبابة "بالسراج والفتيلة" لاستهدافهم. ولكن في حال قرروا المجيء بأنفسهم، فنقول لهم "اهلًا وسهلًا"، وما يَعتبره تهديدًا، نحن نَعتبره فرصة تاريخية ونتمنّاها".
وأفاد بأنّ "العدو يظنّ أنّه إذا أقام حزامًا أمنيًا، فسيستطيع إعادة المستوطين إلى الشّمال وأن يعيشوا بأمان. هو يقيس على تجربة 1978، عندما أقاموا حزامًا أمنيًّا في الجنوب وثمّ وسّعوه حتّى عام 2000"، مؤكّدًا أنّ "الحزام الأمني سيتحوّل إلى وحل وفخّ وكمين وهاوية وجهنّم لجيشكم، إذا أحببتم المجيء إلى أرضنا، وستجدون أمامكم المئات ممّن أُصيبوا يومَي الثّلثاء والأربعاء، لأنّهم أصبحوا أشّد عزمًا على مقاومتكم".
وختم: "لا شك أنّ العدوان الّذي حصل هو عدوان كبير وغير مسبوق، وسيواجَه بحساب عسير وقصاص عادل من حيث يَحتسبون ومن حيث لا يحتسبون. ولكن لأنّ هذه المعركة الجديدة كانت في أوجه خفيّة، فلن أتحدّث لا عن وقت ولا عن شكل ولا عن مكان ولا عن زمان، والخبر هو ما تَرون لا ما تسمعون. هذا الحساب سيأتي، وطبيعته وحجمه ومكانه، سنحتفظ به لأنفسنا". ورأى أنّ "قيادة العدو الحمقاء النّرجسيّة الهوجاء ستودي بهذا الكيان إلى وادٍ سحيق".