منذ اللحظات الأولى لمجزرة "البايجر" يوم الثلاثاء، انتقل الجميع إلى إنتظار الرد، الذي من الممكن أن يذهب إليه "حزب الله"، قبل أن تقع مجرزة "اللاسلكي" يوم الأربعاء، حيث كانت الكثير من الأسئلة تطرح حول الهدف الإسرائيلي من وراء ذلك، لا سيما بالنسبة إلى إحتمال الذهاب إلى ما بات يعرف بـ"الحرب الشاملة".
من هذا المنطلق، طرحت فرضيّة أن تل أبيب تريد أن يقدم "حزب الله" على رد كبير يقود إلى تلك الحرب، على إعتبار أن ما أقدمت عليه هو جريمة كبرى لا يمكن تجاوزها، لكن في المقابل يبدو أن الحزب قرر وضعها في سياقها الطبيعي، أي أنها عملية أمنية بالدرجة الأولى، وبالتالي الرد عليها سيكون بالشكل نفسه، بحسب ما أوحى أمينه العام السيد حسن نصرالله، من دون أن يكشف أي تفاصيل في هذا المجال.
في هذا السياق، كان من الواضح أن السيد نصرالله أراد، من خلال خطابه الذي جاء تعليقاً على المجزرتين، إسقاط الهدف الأساسي لهذا العدوان، أي الحرب النفسية التي كانت تريدها تل أبيب لزرع الشك في صفوف عناصر الحزب وبيئته الحاضنة، كمقدمة نحو تحقيق هدفها المعلن منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، أي فصل جبهة جنوب لبنان عن تلك القائمة في قطاع غزة، بحيث تحدث عن 3 نقاط رئيسية تكمن بإستمرار جبهة الإسناد، التأكيد على فشل ضرب البيئة الشعبية، ونفي نجاح المجزرتين في ضرب بنية الحزب أو نظام القيادة والسيطرة.
ما تقدم، لا يعني أن أمين عام "حزب الله" أراد التقليل من هول ما حصل، خصوصاً أنه سبق ذلك بالإشارة إلى أن تل أبيب كانت تتعمد قتل أكثر من 5000 شخص في المجزرتين، لا بل إسقاط أهدافهم بالدرجة الأولى، قبل الإنتقال إلى الحديث عن التطورات المقبلة، سيّما أن الحزب بدأ التحقيق في ما حصل، حيث أعلن تشكيل لجان تحقيق متعددة لدراسة كل السيناريوهات والإحتمالات والفرضيات، لافتاً إلى أنه سيصل إلى نتائج يقينية، خلال وقت قصير، بشأن التفجيرات، وحينها سيبنى على الشيء مقتضاه، إلا أن ما ينبغي التوقف عنده هو الإشارة إلى أن التحقيق لن يقتصر على معطى معين، من خلال التأكيد أنه يشمل المرحلة الممتدة من المنتج إلى المستهلك.
بالنسبة إلى معطيات المرحلة المقبلة، التي من المتوقع أن يدرسها الجانب الإسرائيلي جيداً ويأخذها بعين الإعتبار قبل الإقدام على أي خطوة جديدة، تعمد السيد نصرالله رفع سقف التحدي في أكثر من مجال، بدءًا من التأكيد على إستمرار جبهة الإسناد مهما حصل، وصولاً إلى إسقاط أهم أهداف التصعيد الإسرائيلي المعلنة، أي إعادة سكان المستوطنات الشمالية إلى منازلهم، عبر التأكيد أن هذا الأمر لن يتم إلا بعد وقف إطلاق النار في قطاع غزة، في حين أن الذهاب إلى عملية عسكرية في الجنوب سيوسع من دائرة الهجرة الحالية.
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن التقليل من أهميّة المواقف التي أطلقها، بالنسبة إلى التهديدات الإسرائيليّة بإقامة حزام أمني داخل الأراضي اللبنانية، في ظل الخلافات الداخلية في تل أبيب حول هذه المسألة، حيث يشدد على أن ذلك، في حال نجح الجيش الإسرائيلي في تنفيذه، لن يقود إلى حماية المستوطنات الشماليّة، بل أن دائرة الإستهداف ستتوسع، في حين أن هذا الحزام سيكون بمثابة جهنم لهذا الجيش، مؤكداً أن هذا التهديد هو الفرصة التاريخية التي ينتظرها الحزب.
بناء على ما تقدم، يكون أمين عام "حزب الله" قد نجح في إعادة كرة الحرب النفسية إلى الداخل الإسرائيلي، بعد أن كانت تل أبيب قد تعمدت رفع مستوى التهديد والترهيب، على مدى الأسابيع الماضية، وإسقاط ذلك في خطاب واحد، بالرغم من أنه جاء بعد مجزرتين كبيرتين، وبالتالي كانت الرسالة واضحة بأنهما فشلتا في تحقيق الهدف منهما، رغم الأعداد الضخمة من الشهداء والجرحى، لكن ما هو أخطر من ذلك، بالنسبة إلى تل أبيب، هو التهديد البسيط الذي أطلقه، بالنسبة إلى الرد المنتظر، من خلال الإشارة إلى أن سيكون عسيراً وقصاصاً عادلاً من حيث يحتسبون ولا يحتسبون.
وهنا أيضاً، لا يمكن إغفال إشارة السيد نصرالله إلى أن المعركة كانت في أوجه خفية، ما دفعه إلى عدم الحديث، بالنسبة إلى الردّ، لا عن وقت ولا عن شكل، قائلاً: "الخبر هو ما ترون لا ما تسمعون"، ما يرجّح أن هذا الرد، الذي قد تكون المؤسسات العسكرية والأمنية الإسرائيلية أكثر من فهم حقيقته، سيكون أمنياً، وربما لا يتم تبنّيه بشكل رسمي، لا سيما بعد أن أوضح أن "الحساب سيأتي لكن كيف وأين هذا سنحتفظ فيه لأنفسنا بل في الدائرة الضيقة".