أشار البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، خلال ترؤّسه القدّاس الإلهي في الديمان، إلى "أنّنا نصلّي في هذه الليتورجيا الإلهيّة من أجل نهاية الحروب، وإحلال سلام عادل وشامل في جنوبي لبنان وغزّة. ونصلّي لراحة نفوس القتلى وشفاء الجرحى الّذين سقطوا من صفوف "حزب الله" في هذا الأسبوع المنصرم".
ولفت إلى أنّ "البابا فرنسيس يدعونا لنتحرّر من "الأصنام الكبيرة والصّغيرة" الّتي هي فينا، أو نلجأ إليها، أو نبحث فيها عن أماننا. إنّها أصنام نحتفظ بها وربّما تكون الطّموح إلى النّفوذ والتسلّط والسّيطرة على الآخرين، وسكرة النّجاح، ووضع الذّات كمحور، والاعتقاد بأنّنا أسياد حياتنا الوحيدون".
وركّز البطريرك الرّاعي على أنّه "يجدر أن أسأل نفسي: هل فكّرت أنا شخصيًّا في نوع الصّنم الخفي في حياتي، الّذي يمنعني من العبادة الحقّة لله، ومن إداء الشّهادة المسيحيّة الفاعلة والقابلة للتّصديق؟"، موضحًا أنّ "فضيلة التعبّد لله، وهي واجب من باب العدالة تجاه الله، تعني التجرّد من أصنامنا، حتّى المخبّأة في أعماق نفوسنا، واختيار الله كمحور لحياتنا، وكطريق أساسيّ لها".
وذكر أنّ "هذا السّؤال مطروح علينا وعلى كلّ لبنانيّ بشأن الأصنام الكبيرة والصّغيرة في حياة كلّ إنسان، وفي حياة الجماعة الصّغيرة والكبيرة. فكانت النّتيجة نقل لبنان من التعدّديّة في الوحدة إلى التعدّديّة في الأحديّة. ولا تتوقّف هذه الحالة إلّا حين ينطلق الشعب اللبناني في مسار مستقبلي جديد يدوم ردحًا زمنيًّا ثابتًا وناجحًا يمكّنه من خلق دورة تاريخيّة جديدة".
كما أكّد أنّ "التقدّم الوحدويّ والسّلميّ الّذي حقّقه الشّعب اللّبناني عبر المئة سنة المنصرمة، لم يكفِ لإنشاء دولة لبنانيّة مستقلّة ومستقرّة، قادرة على توحيد مكوّناتها، وطيّ صفحة الانقسامات التاريخيّة والدّاخليّة والحروب، إلّا بانتخاب رئيس للجمهوريّة يعيد لمجلس النّواب صلاحيّاته التّشريعيّة والمحاسبة، ولمجلس الوزراء كامل صلاحيّاته الدّستوريّة، ويعيد لسائر المجالس حيويّتها، رئيس قادر على توحيد البلاد؛ رئيس جدير بثقة اللّبنانيّين والدول الصّديقة".
وشدّد الرّاعي على أنّ "التّعدّديّة اللّبنانيّة الثّقافيّة والدّينيّة، وحياد النّظام السّياسي، ووحدة الولاء للبنان، تبقى كفيلةً بحلّ الأزمات الدّاخليّة والخارجيّة"، مضيفًا: "أمّا المستوى الحضاري في مجتمعنا، فصار دون مستوى رسالة لبنان، ولبنان الرّسالة. ولا خلاص للبنان إلّا بالعودة إلى هذا المستوى الحضاري من قبل الدّولة وجميع مؤسّساتها الدّستوريّة".
وأشار إلى أنّ "لبنان في حزن شديد لما أوقعت إسرائيل من ضحايا لبنانيّين مدنيّين وحزبيّين وقياديّين في صفوف "حزب الله" أيّام الثّلثاء والأربعاء والجمعة، في ضربات غير مسبوقة خالية من الإنسانيّة، ومتعدّية كلّ حدود المشاعر البشريّة. وقد أوقعت عشرات القتلى وآلاف الجرحى، ومنهم حاملون إعاقة جسديّة دائمة".
ولفت إلى "أنّنا نقدّر المستوى الطبّي في المستشفيات الّتي فتحت أبوابها، وأوقفت كلّ إمكاناتها للمعالجة. هذا فضلًا عن ضحايا جنوبي لبنان ودمار المنازل وتهجير المواطنين"، موجّهًا النّداء إلى مجلس الأمن "لوضع حدّ لهذه الحرب بالسّبل المتاحة. فإذا تُرك المتحاربون، يفنون بعضهم بعضًا قتلًا وتدميرًا وتهجيرًا. فلا بدّ من فرض إيقاف الحرب والدّعوة إلى مفاوضات السّلام. فالسّلام هو "صنيع العدالة" (أشعيا 32: 7)، وثمرة المحبّة النّابتة من الأخوّة الإنسانيّة".
وختم الرّاعي: "في الحرب الجميع مغلوبون، والجميع خاسرون. أمّا الرابحون الوحيدون فهم تجّار الأسلحة. فيا ليت المتحاربون يقفون لبرهة أمام نفوسهم وأمام الله، لرموا السّلاح من أيديهم وطلبوا عطيّة السّلام!".