بعد نحو سنة على عملية طوفان الاقصى واعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حربه المجنونة على غزّة، فتح حزب الله "جبهة اسناد" معتبراً ان الهدف هو دعم الغزاويين والتخفيف من التركيز عليهم من قبل القوات الاسرائيلية.
اليوم، وعلى مشارف الذكرى السنوية الاولى لهذه الحرب، يبدو انّ المشهد تغيّر بشكل جذري، وفي حين لم يحقّق نتنياهو اهداف حربه، فشل حزب الله ايضاً في تحقيق الاهداف التي كان وضعها ودخل على اساسها في اللعبة العسكريّة. وبالرغم من الرقم الهائل للفلسطينيين الذين سقطوا بين قتيل وجريح جراء الجرائم الاسرائيلية غير المسبوقة (وصل عدد القتلى الى نحو 45 الفاً، وتخطى عدد الجرحى ضعف هذا الرقم)، تحولت الانظار عن غزة في الفترة الاخيرة، واصبحت نحو لبنان.
هذا التحوّل الجذري لم يأتِ بين ليلة وضحاها، فما شهدته الجبهة الجنوبيّة اللبنانية لم يسبق له مثيل، وغض النظر الاميركي والاقليمي والدولي عما تقوم به اسرائيل، قابله "راحة" للحزب في القيام بما لم يستطع فعله سابقاً، ومع توسيع رقعة اللعبة شيئاً فشيئاً وتليين السقف الذي كان موضوعاً، وصلنا الى النقطة الحرجة التي نراها اليوم. صحيح ان الكلام عن حرب غزّة لا يزال قائماً، ولكنه لم يعد يحظى بالاهميّة نفسها للكلام عن الحرب المحتملة بين لبنان واسرائيل وزمنها وماهيتها، فهل تكون حرباً شاملة تجرّ عبر دوامتها دولاً اقليمية ودولية، ام انها ستقتصر على الاستهدافات البعيدة، ام ستكون حرب الجيل الثالث القائمة على التكنولوجيا والمعلومات والمعلوماتية؟!... وفي حال وقع المحظور واندلعت الحرب بأي شكل من الاشكال، فمن الطبيعي ان تصبح غزة "جبهة الاسناد" للبنان!.
ومع هذا التغيير البنيوي في المعطيات، كان لا بد من تغيير الاهداف ايضاً، اذ بات سكان المستوطنات الشمالية هم لبّ المشكلة، والكباش قائم على اعادتهم (من ناحية اسرائيل) وابقائهم حيث هم بعيداً عن منازلهم وحياتهم اليومية (من ناحية الحزب)، وهم بالتالي ربطوا مصيرهم بمصير سكان جنوب لبنان الذين من الواضح عدم قدرتهم على العودة الى حياتهم الطبيعية ايضاً في ظل العدوان الاسرائيلي عليهم وعلى املاكهم وارضهم. في غضون ذلك، لم يعد هناك من شكّ ان التوصل الى تسوية او وقف لاطلاق النار بات اليوم ابعد مما كان عليه في اي وقت، وهو سيستمر بالابتعاد كلما اقتربنا من موعد استحقاق الانتخابات الرئاسية الاميركية، وهذا ان دلّ على شيء، فعلى ان الحرب لا تزال طويلة الامد، وما لم يحصل تغيير دراماتيكي فلن تنعم المنطقة بالاستقرار ولو كان هشاً، في المدى المنظور.
يراهن نتنياهو ومن يصفّق له من المسؤولين الاسرائيليين على ان الحرب فقط هي القادرة على اعادة سكان الشمال الى بيوتهم، ولهذه الغاية كان واضحاً بأنه لن يقف عند حدود او خطوط حمراء لتحقيق هذا الانتصار، الذي يعتبره مفصلياً والقادر على انقاذه من الورطة التي علق فيها، لذلك تراه يتخطى كل الحواجز والاعتبارات والقوانين الدولية، ولن يرتدع قريباً، وهناك من يؤكّد ان ما يقوم به رئيس الوزراء الاسرائيلي هو البديل المطلوب عن الحرب العسكريّة البرية التي لا يرى فيها نتيجة ايجابيّة، ليس لانه لا يريدها، بل لانه يتعرّض لضغوط كبيرة كي لا تحصل.
وعلى الضفة الثانية، يراهن حزب الله على العكس، فهو اثبت انه لا يزال ضعيفاً في الحرب الاستخباراتيّة وامامه مسار طويل جداً قبل ان يقدر على التفكير في منافسة الاسرائيليين في هذا المجال، ويرغب في المقابل في التعويض عبر المواجهة البريّة المباشرة التي اعدّ لها العدة منذ وقت طويل، والتي قد تردّ له بعض ما فقده من هيبة بفضل الضربات المتتالية التي تلقاها عبر الاغتيالات والغارات التي استهدفت ابرز قياداته وعناصره.
هناك من يعتقد انّ المشهد سيبقى من دون تغيير الى ان يتغيّر لاعب او عدد من اللاعبين الرئيسيين فإما ان ينقلب الاسرائيليون على نتنياهو او تتغيّر الادارة الاميركيّة بعد الانتخابات او تستمر بسياسة الحزب الديمقراطي انما بزخم اكبر واكثر فاعليّة، او الاثنين معاً. وفي كل الاحوال، ستبقى المعاناة هي السائدة، الى ان يحصل التغيير.