لم يكن يوم 17 أيلول عادياً للبنان أو حتى لـ"حزب الله" الذي تلقى ضربة رُبما قد تكون الأكثر قساوةً منذ تأسيسه، نحن فعلتها "اسرائيل" بكثير من الجُبن وبعمل استخباراتي بالغ الدقّة ففجرت أجهزة "البيجر" المدنيّة التي كان يحملها لبنانيون كُثُر بينهم عناصر من "حزب الله" ما أدّى سقوط شهداء وآلاف الجرحى.
هذا العمل الارهابي إستمرّ على يومين ولم يخفِ الامين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله في خطابه الأخير أنه تلقى ضربة، متوجها الى الداخل الاسرائيلي بالقول "رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو وعدكم بعودة المستوطنين الى الشمال وهذا لن يحصل".
واعادة سكان الشمال الى منازلهم هو هدف كبير وضعه نتانياهو واعتبره سابقا المجلس السياسي الأمني الاسرائيلي أحد أهداف الحرب. "وما يحدث اليوم هو أنّه يدفع بإتجاه الحرب مع لبنان"، هذا ما يراه الباحث السياسي وأستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور جمال واكيم في حديث لـ"النشرة". لافتاً إلى أن "من يدفعون بإتجاه الحرب في اسرائيل، إضافة إلى رئيس وزرائها الذي يقوم بذلك بسبب يأسه، هم القيادة المدنيّة، بينما القيادة العسكرية تحذّر من هذا الموضوع"، معتبراً أن "هذه المسألة خطيرة لأن الجيش يدرك مخاطر الصراع، بينما من لديهم خلفية مدنية يقيّمون الأمور بحسابات سياسية".
ويرى الدكتور واكيم أن "نتانياهو ينتظر أيضاً نتائج الإنتخابات الأميركية، وما يقوم به اليوم هو فقط البداية، وهو يعتبر أنه في حال فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الإنتخابات، فإن إحتمالات شنّ حرب على لبنان ستتصاعد لا سيما أن الأخير لا يملك خبرة سياسية، وسيندفع بإتجاهها".
وتزامنًا مع الكلام عن توسعة رقعة الحرب مع لبنان، هناك عقدة حرب الابادة بحق الفلسطينيين في غزة ومشكلة المفاوضات مع مصر لا سيّما بموضوع ممر فيلادلفيا. وفي هذا الإطار، يرى المحلل المصري للشؤون السياسية الدكتور حسن القشاوي أن "اسرائيل تريد السيطرة عليه وتدعي كذباً أن السبب هو وجود أنفاق وأنه محور لحركة حماس"، مشيراً إلى أن "نتانياهو من خلال هذا أراد خلق مشكلة مع مصر، والاسرائيلي يعلم أن اللعب مع أيّ طرف في المنطقة شيء واللعب مع مصر شيء آخر"، معرباً عن إعتقاده أنه "سيكون هناك حلّ في نهاية المطاف".
بدوره، يشدد الدكتور واكيم على أن "مصر مكبّلة بعدد كبير من الأزمات وهذه مسألة أساسيّة، وهي لا تستطيع أن تدخل بحرب مع إسرائيل"، لافتاً إلى أنّه " في موضوع المعبر المذكور، فإن المصريين لا يستطيعون فعل أي شيء".
بينما يلفت الدكتور قشاوي إلى أن "لحرب غزّة تأثير كبير على المنطقة، وعلى مصر من الناحية المعنوية والسياسية"، مشيرًا أن بلاده "ساعدت الفلسطينيين كثيراً بالتبرعات وحتى بالعلاج، إذ ان عدداً كبيراً من الجرحى يتلقون العلاج بمصر"، لافتاً إلى أن "هناك غاية اسرائيلية من كل ما يحدث"، مؤكدا أن "نتانياهو على علم أنه مع توقف الحرب سيحاسب، وهو يتبّع استراتيجية معيّنة لإطالة أمدها".
إذاً، حتّى الساعة، تسيطر الضبابيّة على المشهد العام في المنطقة مع ربط مصير الهجوم الجاري على غزّة والجبهات المشتعلة من اليمن والعراق وصولا الى لبنان، بجنون نتانياهو المتعطّش الى سفك الدماء متسلّحًا بالدعم الاميركي المطلق، ولكن الأكيد اليوم بعد عملية "البيجر" أن اسرائيل أمام مغامرة نتائجها قد لا تكون بالحسبان، بسبب رئيس وزرائها...