لم يأت التصعيد الإسرائيلي القائم، منذ بداية الأسبوع الماضي، من فراغ، بل هو ترجمة عملية لحجم الضرر الذي تتسبب به العمليات العسكرية التي يقوم بها "حزب الله"، منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، وسط عجز من جانب تل أبيب عن إجباره على وقف جبهة الإسناد، التي تسبب أضراراً كبيرة للقيادتين السياسية والعسكرية، خصوصاً في ظلّ المزايدات التي تقوم بها العديد من الجهات المعارضة، بهدف إظهارها، لا سيما رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، في مظهر العاجز عن التعامل مع هذا التهديد الخطير.
إنطلاقاً من ذلك، كان من الواضح أن إسرائيل إنتقلت إلى معادلة جديدة، تريد فرضها على "حزب الله" وبيئته الشعبية، من خلال العمليّات التي تقود إلى رفع مستوى الحرب النفسية التي تخاض، بعد أن كانت تستند، طوال الأشهر الماضية، على خروقات جدار الصوت والتهديدات بالذهاب إلى عملية عسكرية موسعة، فكانت البداية من خلال عمليتي "البايجر" و"اللاسلكي" والضربة الجوية لقيادة قوات "الرضوان"، قبل الإنتقال، منذ يوم الأحد، إلى التوسع في الغارات الجوية.
في هذا الإطار، على الرغم من الحرب النفسية التي تخاض، لا يبدو أن الأمور مرجّحة للذهاب نحو ما بات يعرف بـ"الحرب الشاملة"، بحسب ما ترى مصادر متابعة عبر "النشرة"، حيث تلفت إلى أن الإسرائيلي لا يزال ضمن المعادلة نفسها، ولذلك سعى إلى خلق حالة من الرعب النفسي، عبر التوسع في مجال الغارات الجويّة التي يقوم بها، التي جاءت بالتزامن مع إطلاقه موجة واسعة من التحذيرات التي تطالب المواطنين، في بعض القرى والبلدات، بمغادرة منازلهم.
بالنسبة إلى هذه المصادر، العنوان الأساسي لهذا التطور هو السعي إلى رفع كلفة جبهة الإسناد، على قاعدة الردّ على ما كان قد أكد عليه أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، في خطابه الماضي، لناحية الإستمرار في هذه الجبهة، من خلال التشديد على أن ذلك سيقود إلى رفع الكلفة، في الفترة المقبلة، الأمر الذي لن يقتصر على المستوى العسكري، بل سيتم التركيز على الضربات التي تستهدف إثارة الذعر في صفوف البيئة الحاضنة، وإسقاط أعداد من المدنيين شهداء.
في هذا السياق، تلفت المصادر نفسها إلى أن "حزب الله" لن يكون بعيداً عن الرد على هذه التطورات، لا سيما أنه في الأصل كان قد بدأ بذلك من خلال توسيع دائرة هذه الجبهة، عبر الهجمات التي باتت تشمل مدينة حيفا، ما يذكر بما كان قد أعلن عنه السيد نصرالله، في الماضي، لناحية الرد على التصعيد بالتصعيد وعلى التوسيع بالتوسيع.
في هذا المجال، يذهب البعض إلى طرح الكثير من علامات الإستفهام حول حقيقة الموقف الأميركي من كل ما يحصل، في ظل الإصرار الرسمي من قبل واشنطن على نفي علاقاتها بالهجمات التي حصلت، في الأيام الماضية، بالإضافة إلى تأكيدها بأنها لا تزال تعمل على إحتواء الأمور، عبر الوصول إلى حل من خلال الإتصالات الدبلوماسية التي تقوم بها.
على هذا الصعيد، تشدد المصادر المتابعة على أن الولايات المتحدة ليست بعيدة عن كل ما يجري، على عكس ما تحاول الإيحاء به، خصوصاً أنها تدعم إسرائيل في جميع الخطوات التي تقوم بها، سواء كان ذلك في غزة أو الجنوب، وتشير إلى أنّها متورطة في العمليات الأمنية، التي كان يراد من خلالها توجيه رسالة إلى "حزب الله"، بأنه غير قادر على مواكبة ما لدى تل أبيب من قدرات في هذا المجال، وبالتالي بات عليه التراجع عما يقوم به.
وتلفت هذه المصادر إلى أن وقف جبهة الإسناد هو هدف إسرائيلي أميركي مشترك، منذ اليوم الأول، بدليل الضغوط الدبلوماسية التي كانت تفرض على الجانب اللبناني في هذا المجال، في حين أن واشنطن لم تذهب، من الناحية العملية، إلى فرض أي ضغوط جدية على تل أبيب لدفعها إلى وقف الحرب في غزة، لا بل أبعد من ذلك هي لم تتأخر، بعد كل إعتداء تقوم به، عن الذهاب إلى إعلان إستعدادها للدفاع عنها، بالرغم من أنها تدفع بالمنطقة نحو الخطر الأكبر.
في المحصلة، تشدد المصادر نفسها على أن الولايات المتحدة حاضرة بقوة في قلب التصعيد الحالي، إلا أنها لا تزال تستبعد خيار الذهاب إلى الحرب الشاملة، حيث تلفت إلى أن المعادلة لا تزال في إطار التصعيد المتدحرج، الذي يقوم على أساس رفع كلفة جبهة الإسناد من قبل تل أبيب، في مقابل رد "حزب الله" بتوسيع دائرة الجبهة، بإنتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات، مع التشديد على معطى بارز يتمثل بخروج جبهة غزة، التي كانت تمثل عامل ضغط داخلي على نتانياهو بسبب أزمة الأسرى، عن دائرة الأحداث.