على الرغم من هول الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان، بعد أن كانت قد تصاعدت في الأيام الماضية، يبدو أن العنوان الأساسي لهذه المرحلة من المواجهة هو التهجير، حيث بات من الواضح أن تل أبيب تريد أن تستخدم هذه الورقة للضغط على "حزب الله"، من أجل دفعه نحو فك الإرتباط بجبهة غزة، من أجل معالجة أزمة النازحين من المستوطنات الشمالية.
من هذا المنطلق، تقرأ أوساط متابعة، عبر "النشرة"، الخطوات التي أقدم عليها الجانب الإسرائيلي، لا سيما لناحية تكثيف وتوسع الضربات الجوية على القرى والبلدات في الجنوب والبقاع، حيث تشير إلى أن المطلوب كان تهجير السكان بالدرجة الأولى، نظراً إلى أن تل أبيب لا تملك القدرة على الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك من الناحية العملية.
بالنسبة إلى هذه الأوساط، لا ينبغي التوقف عند التهديدات الإسرائيلية بالذهاب إلى إجتياح بري، حيث ترى أن هذا الإحتمال مستبعد إلى حد بعيد، لا سيما أن تل أبيب كانت تملك القدرة، فيما لو أرادت ذلك، على الذهاب إليه في الأيام الماضية، حيث تعطي مثالاً على ذلك ما حصل خلال مجزرة "البايجر"، وتضيف: "في ذلك الوقت، كان من الممكن أن تذهب إلى إستغلال حالة الإرباك التي حصلت، بغض النظر عن حجمها".
من وجهة نظر الأوساط نفسها، كل حديث في هذا الإطار يصب في سياق الحرب النفسية، التي يظن من خلالها الإسرائيلي أنه قادر على دفع البيئة الحاضنة لـ"حزب الله" إلى رفع الصوت، وهو ما يأتي مع مساعى، قائمة على أكثر من صعيد، من أجل تحريض البيئات الأخرى في المجتمع المدني، عبر بث الشائعات التي يراد من خلالها التردد في إستقبال النازحين من الجنوب والبقاع.
وسط هذه الأجواء، يأتي الحديث عن المساعي الدبلوماسية لإحتواء الموقف، خصوصاً بعد المواقف التي كان قد أدلى به رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي تحدث عن ساعات حاسمة على هذا الصعيد. الأمر الذي دفع إلى طرح الكثير من علامات الإستفهام حول شروط التهدئة أو الحل التي من الممكن أن يوافق عليها الجانبان. خصوصاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قد لا يكون قادراً على التراجع قبل وقف جبهة الإسناد، في حين أن "حزب الله" لا يستطيع، بعد كل ما تقدم، أن يتراجع في موقفه المبدئي القائم منذ الثامن من تشرين الأول الماضي.
في هذا السياق، تشير الأوساط المتابعة إلى أن إنطلاق الحديث عن الحلول الدبلوماسية لا يعني الوصول إليها في وقت قريب، نظراً إلى أن المسألة لن تكون سهلة على الإطلاق بعد التصعيد الذي حصل في الأيام الماضية، لكنها في المقابل هناك بعض الأمور التي من الممكن التوقف عندها، أبرزها أن الجانب الإسرائيلي ليس لديه الكثير من الخيارات التي يستطيع أن يذهب إليها، لا سيما بعد مبادرة "حزب الله" إلى قصف مقر قيادة الموساد، في ضواحي تل أبيب، بصاروخ باليستي.
هنا، تلفت هذه الأوساط إلى أن الحزب، من ضمن المسار العام الذي يعتمده في هذه الحرب، لم يذهب إلى أكثر من توجيه رسالة ذات دلالات كبيرة، على إعتبار أنه كان من الممكن أن يقدم على إطلاق أكثر من صاروخ في الوقت نفسه، لكنه، على ما يبدو، فضل الإكتفاء بهذه الرسالة في الوقت الحالي، بعد أن كان قد أدخل، قبل يوم واحد، صاروخ "فادي 3" إلى قلب المعركة، وتضيف: "أكثر ما يخشاه الإسرائيلي هو ما لم يكشف عنه الحزب، حتى الآن، من قدرات، خصوصاً أنه يدرك أن الحزب لن يقدم على ذلك دفعة واحدة".
في المحصلة، ترى الأوساط نفسها أن التصعيد الإسرائيلي، من حيث المبدأ، لن يقود إلى معالجة الأزمة الأساسية، أي نزوح سكان المستوطنات الشمالية، حيث من المتوقع، مع التوسع مع دائرة جبهة الإسناد، أن تتوسع دائرة النزوح تلك، بشكل لن يكون من السهل على تل أبيب تحمله، خصوصاً أنها تعاني من هذه الأزمة، ضمن حدود معينة، منذ أشهر، لا سيما أن الحزب أثبت، رغم الضربات التي تعرض لها، قدرته على الإستمرار في العمليات العسكرية، لا بل حتى توسيعها.