تمكن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، بسحر ساحر، من الانتقال من الموت الى الحياة. فقد كان المسؤول الاسرائيلي قبل اقل من اسبوعين، يصارع الموت السياسي والشعبي وحتى الميداني، وكان يبحث بكل ما أوتي من قوة، عن انجاز ما يحققه على اي صعيد كي يتعلق به ليبقى حاضراً على الساحة. فجأة، بين ليلة وضحاها، ومن بوابة لبنان، نجح نتنياهو في ترميم صورته واستعاد "امجاده" على الساحتين الداخلية والخارجية، واعاد المعنويات الى الجيش الاسرائيلي والاسرائيليين، وذلك على حساب التراجع الكبير الذي سجّله حزب الله ان من خلال الخرق الاستخباراتي غير المسبوق الذي اصابه، او بفعل الاستباحة الاسرائيلية للمناطق اللبنانية كافة والتسبب بخسائر بشريّة وماديّة فادحة في وقت قليل.
من المنطقي ان تكون التسوية حاضرة في مكان ما، وهي النتيجة المؤكدة لكل مواجهة عسكرية مهما كانت صغيرة او كبيرة، ولكن المشكلة تكمن في الوقت، فهل حان اليوم الوقت لهذه التسوية؟ في قراءة موضوعية للاحداث، فإنه، على عكس ما كان عليه الامر مع بداية الحرب على غزة، فإن وقف اطلاق النار حالياً يصب في خانة نتنياهو لسبب بسيط جداً وهو انه استطاع تحسين موقفه وفرض نسبة اكبر من شروطه، فيما كان وقف اطلاق النار سابقاً بمثابة "رصاصة الرحمة" بالنسبة اليه على الصعد كافة. المشكلة اصبحت في الضفة الاخرى، اي عند حزب الله، فهو يحتاج بشدة الى اعادة الاعتبار اليه، والتوصل الى انهاء الاعمال القتالية ولو لفترة، لا تصب في مصلحته في الوقت الراهن.
هل هذا يعني ان نتنياهو سيهرع لتوقيع الاتفاق او ان على الحزب الامتناع عن الموافقة؟ اذا اخذنا وجهة نظر كل من الطرفين، فالاجابة هي نعم، ولكن اذا كانت المسألة متعلقة بالرؤية العامة، فالجواب سيكون طبعاً لا. فرئيس الحكومة الاسرائيلي يجد نفسه حالياً في وضع اكثر من ملائم لتحقيق المكاسب، واحدة تلو الاخرى، فغزة اصبحت، وللاسف، خارج السمع والمعادلة ولم يعد احد يسأل عمّا يحصل فيها، وشعبيته الداخلية آخذة بالارتفاع، وخلافه مع الولايات المتحدة اصبح في ادنى مستوى منذ اندلاع الحرب، وليس هناك من داع للاستعجال، بل يمكنه التمتع بهذه الافضلية.
في المقابل، من الافضل بالنسبة الى اللبنانيين ان تتوقف الاعمال القتاليّة والعسكريّة، الا ان هذا الامر سيعرّض الحزب للضعف الكبير على المستويين الداخلي والاقليمي، وهو يجد نفسه حالياً وقد انقلبت الادوار بينه وبين نتنياهو، فهو بحاجة ماسة الى ايجاد انجاز لاظهار ان ما حصل كان مجرد انتكاسة يمكن تخطيها، ورهانه الاقوى في هذا المجال يبقى على الحرب البرّية التي تحضّر لها بشكل جيد، انما من غير المؤكد ان يدخل الاسرائيليون في مثل هذا الاجراء لانهم يعلمون ان الثمن سيكون باهظاً، وما نصائح الاميركيين وغيرهم في هذا المجال سوى غيض من فيض.
يعلم الجميع انه في ظلّ عدم القدرة على الحسم العسكري، فإنه من غير المتوقع ان يقبل اي طرف بفرض شروط الآخر عليه، والتسوية تقوم بموافقة الطرفين على الشروط والشروط المقابلة، وحين كان الميزان في صالح الحزب رفض نتنياهو كل المساعي الدبلوماسية، فكيف سيقبل اليوم بهذه المساعي مع انقلاب الوضع؟ التسوية آتية لا محال، ولكن الوقت هو الذي يتحكّم بها، فعلى اي ساعة ستتم هذه التسوية؟ الجواب ينتظره الملايين من شعوب المنطقة والعالم، فمتى سيأتي؟ ولا شك ان فاتورة الخسائر البشرية والمادية ستزداد اكثر فأكثر قبل ان تتمكن الناس من التقاط انفاسها، على امل ان يكون الطريق قصير جداً.