منذ مبادرة الجيش الإسرائيلي إلى التصعيد على الجبهة اللبنانية، في الأيام الماضية، تُطرح الكثير من الأسئلة حول الأسباب التي تحول دون مبادرة "حزب الله" إلى الردّ، بشكل أكبر من العمليّات التي لا يزال يقوم بها، بالرغم من أنه كان قد عمد إلى رفع مستوياتها، ضمن إطار يوحي بأنه يسعى إلى توجيه بعض الرسائل العسكريّة، كنوع من التأكيد بأنه يستطيع الذهاب إلى ما هو أبعد من القائم في الوقت الراهن.
هذا الواقع، فتح على الحزب، من ضمن حملة أوسع، أبواب التشكيك من قبل الجهات المعارضة له بالقدرة على الصمود، لدرجة الذهاب إلى مطالبته بوقف جبهة الإسناد أو حتى، كما طرح البعض، المبادرة إلى تسليم سلاحه فوراً، في سياق سرديّة يراد منها إسقاط كل الشعارات التي كان يرفعها في السنوات الماضية.
بالنسبة إلى مصادر سياسية متابعة، هذه الحملة تتضمن مجموعة من العناوين، تبدأ من خلال التركيز على أزمة النزوح التي تسبّبت بها الاعتداءات الإسرائيليّة المتصاعدة، ولا تنتهي عند نوعية العمليات العسكرية التي يقوم بها الحزب، بل تشمل أيضاً التشكيك بالعلاقة مع إيران، على قاعدة أنّ الأخيرة تخلت عنه، من أجل التفاوض مع الولايات المتحدة بهدف تحقيق مصالحها، ولا تستبعد أن تتوسع الحملة، بشكل أكبر، في المرحلة المقبلة، بل على العكس من ذلك هي ترجح ذلك.
في هذا السياق، ترى هذه المصادر أنّ كل ما يُطرح لا يزال، حتى الآن، ضمن الحدود المقبولة، خصوصاً أن حجم الإنقسام السياسي في البلاد، منذ ما قبل السابع من تشرين الأول الماضي، معروف، وأيضاً حجم الإعتراضات على أداء الحزب من قبل العديد من الجهات الإقليمية، وبالتالي لم يكن من المتوقع ألاّ يبادر كل معارضيه إلى السعي لزيادة الضغوط عليه، في ظل ما يتعرض له في المرحلة الراهنة من ضغوط، وتضيف: "هذا الأمر كان حاضراً خلال العدوان الإسرائيلي في شهر تموز من العام 2006، مع العلم أن عوامل عدّة ساهمت في رفع مستوى الإحتقان".
ما تقدم، لا يلغي السؤال الأساسي، أي لماذا لا يبادر الحزب إلى الردّ بشكل أكبر على الإعتداءات الإسرائيليّة، خصوصاً أنّ تل أبيب أثبتت رغبتها في توسيع دائرة العمليات العسكرية بشكل سريع، لا سيما لناحية التوسع بإستهداف المدنيين، الأمر الذي أدّى إلى سقوط أعداد كبرى من الشهداء والجرحى.
في هذا المجال، تدعو المصادر السياسية المتابعة إلى التوقف عند مجموعة من المعطيات، حيث تشير إلى أنّ الحزب، من الناحية العسكرية، هو حركة مقاومة تخوض المعارك وفق منطق مختلف عن الجيوش النظاميّة، وتوضح أن النقطة الأهم، بالنسبة إلى هذا النوع من الحركات التي تقوم على أساس حرب العصابات، هو إمتصاص صدمة الأيام الأولى، قبل المبادرة إلى الردّ على الضربات التي تعرّضت لها، وتضيف: "من الطبيعي أنّ هذه الحركات تفضّل أن يبادر العدو إلى الحرب البريّة، نظراً إلى أن ظروف المعركة ستكون مختلفة".
على الرغم من ذلك، تؤكد هذه المصادر أن الحزب قادر على توسيع رقعة عملياته العسكرية، سواء كان ذلك من خلال حجمها أو مداها أو أهدافها، وهو أثبت هذا الأمر من خلال تلك التي لا يزال يقوم بها، إلا أن ذلك مرتبط بالقرار، الذي قد يكون هدفاً إسرائيلياً يريد جرّه إليه في هذا الوقت، حيث الرغبة الواضحة لدى تل أبيب في أخذ المنطقة إلى حرب أوسع.
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أن قراءة تطور الأحداث لا يمكن فصله عن مجموعة من الإستحقاقات المهمة، أبرزها الإنتخابات الرئاسية الأميركية وما يجري حولها من رهانات ومفاوضات، لكنها تلفت إلى أن هذا لا يعني أنّ الأمور ستبقى ضمن هذا الحد، نظراً إلى أن السعي إلى إفشال المخطّطات أو الأهداف الإسرائيليّة، لا يعني السماح لتل أبيب بالتمادي أكثر، وهو ما ينسجم مع سيناريو التصعيد المتدرّج الذي قد يذهب إليه الحزب في المرحلة المقبلة، في حال لم تنجح الجهود الهادفة الى الوصول لإتفاق لوقف إطلاق النار.