في الأسابيع الماضية، دفعت الضغوط التي كان يتعرض لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في الداخل، إلى التصعيد على الجبهة اللبنانية، خصوصاً أن إستطلاعات الرأي كانت تعطيه المزيد من التقدم بعد عمليتي "البايجر" و"اللاسلكي"، من دون تجاهل أن غالبية القوى السياسية كانت تطالب بالذهاب إلى الحرب مع "حزب الله"، بالتزامن مع دعوته إلى عقد صفقة مع حركة "حماس" في غزة.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن فهم جزء من الأسباب التي دفعته نتانياهو، الذي كان منذ اللحظة الأولى لعملية "طوفان الأقصى" يبحث كيفية الحفاظ على مستقبله السياسي، إلى الذهاب إلى هذه الخطوة، لا سيما أنه شعر، تحديداً بعد إغتيال أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، بأنه قادر على تحقيق "إنتصار"، يكرسه زعيماً لسنوات طويلة.
في هذا السياق، كان العنوان الأول لنتانياهو، هو رفض كل الدعوات لوقف إطلاق النار، بحسب ما تشير أوساط متابعة عبر "النشرة"، نظراً إلى الإعتقاد بأن لدى تل أبيب فرصة لإلحاق أكبر ضرر بـ"حزب الله"، أو على الأقل إنشاء حزام أمني داخل لبنان، يحول دون إستمرار إطلاق الصواريخ.
من حيث المبدأ، ترى هذه الأوساط أن أي "إنتصار"، من الممكن أن تدعيه تل أبيب، لا يتضمن وقف إطلاق تلك الصواريخ، يتناقض مع أهدافها من الحرب، وبالتالي لا يمكن الركون إليه، نظراً إلى أن الإنتصارات في الحروب تقاس بقدرة الجانب المبادر على تحقيق أهدافه، في حين أن الجانب المقابل لا يكون عليه إلا العمل على إسقاطها.
هنا، تلفت الأوساط نفسها إلى أن من الطبيعي الإعتراف بأن تل أبيب تملك التفوق الجوي، كما هو الحال في كل المعارك الماضية، لكن منذ حرب تموز 2006 بات من الواضح أن سلاح الجو لا يستطيع أن يحسم أي معركة، بالرغم من أن إسرائيل كانت تظن أنها تستطيع الاعتماد عليه بشكل رئيسي، بعد النجاح في عمليات الإغتيال.
في الأيام الماضية، كان التحدي الأبرز، بالنسبة إلى "حزب الله"، هو إثبات القدرة على إستيعاب الضربات التي تعرض لها، الأمر الذي أكد عليه من خلال الإستمرار في عمليات إطلاق الصواريخ، إلى جانب الإستعداد لمنع القوات الإسرائيلية من التقدم براً، أو على الأقل، في حال نجحت في ذلك، إلحاق أكبر قدر من الخسائر بها.
بالنسبة إلى مصادر سياسية مطلعة، من الضروري التوقف عند مشهد أمس بدقة، على إعتبار أنه عامل مهم بالنظرة إلى مستقبل الأوضاع، حيث وجدت إسرائيل نفسها أمام تحدٍّ كبير، يبدأ من هجمات "حزب الله"، التي وصلت إلى ضواحي تل أبيب، ولا ينتهي عند الهجوم الإيراني الذي تسبب بحالة رعب على كامل أراضيها، بل يشمل أيضاً عمليات إطلاق النار داخل تل أبيب.
هنا، تشير هذه المصادر إلى أن هذا الواقع سيفرض المزيد من الضغوط على القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل، على إعتبار أن كل "الإنتصارات" التي تم الإعلان عنها لم تحقق الهدف المطلوب، أي توفير الأمن لسكانها، بل رفعت من مستوى المخاطر، ما يضعها أمام مجموعة من الخيارات الصعبة، منها العودة إلى المفاوضات الدبلوماسية أو الإستمرار في التصعيد العسكري.
في المحصلة، ترجح المصادر نفسها أن يكون الخيار المعتمد هو الذهاب إلى التصعيد العسكري، لكنها تلفت إلى أنه، بحال إستمرار المحور المقابل في إثبات القدرة على منعها من تحقيق أهدافها، سيكون عليها الإنتقال إلى الخيار الدبلوماسي، مع العلم أن ليس هناك أي حديث جدي في هذا المجال، خصوصاً أنها لا تستطيع أن تتجاوز الخطوط الحمراء الأميركية، فواشنطن، التي تغطي ما تقوم به، لا يمكن أن تغامر في مصالحها، وهو ما قد يؤدي إلى إنقلاب الأمور على نتانياهو