تشير التطورات العسكرية المتسارعة في لبنان والمنطقة إلى أن الأمور تتجه نحو السيناريو الأسوأ، على الأقل في المرحلة القريبة المقبلة، وربما تتطور من حرب "مفتوحة" إلى "واسعة" بدون ضوابط أو سقوف. يأتي ذلك رغم السباق المحموم بين المبادرات السياسية والدبلوماسيّة لوقف إطلاق النار والعدوان الإسرائيلي على لبنان، وتطبيق القرار الدولي 1701."
وقد جاء رد الحرس الثوري الإيراني انتقامًا لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، والأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، وقائد فيلق القدس في لبنان، عباس نيلفروشان، في الضاحية الجنوبية لبيروت. إلى جانب التهديد الإسرائيلي برد واسع، ليزيد المشهد تعقيدا.
مع بدء العملية البرية الإسرائيلية على الحافة الأماميّة للقرى الجنوبية واندلاع معارك عنيفة مع مقاتلي حزب الله، في أول مواجهة عسكريّة أدت إلى مقتل 8 إسرائيليين بينهم ضباط، وإصابة أكثر من 35 آخرين، كثفت إسرائيل غاراتها الجوية واعتداءاتها وطالبت سكان أكثر من 50 بلدة من الحدود حتى القاسمية، بما في ذلك المخيمات الفلسطينية، بمغادرتها لإرباك الجبهة الداخلية اللبنانية وإغراقها بأزمة النزوح. حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى نزوح مليون و200 ألف شخص من مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية.
وأدى هذا الطلب الإسرائيلي إلى موجة نزوح إضافية إلى مدينة صيدا ومنطقتها، حيث فتح أبناء المدينة منازلهم لاستقبال النازحين، إلى جانب مراكز الإيواء في المدارس الرسمية. وجاء هذا وسط استنفار عام من خلية إدارة مواجهة الكوارث والأزمات في صيدا، لتأمين الاحتياجات الضرورية، ولا سيما المواد الغذائية والمياه ومادة المازوت لتشغيل المولدات الكهربائية.
خلية الأزمة والتحديات
وأوضح مدير خلية الأزمة، مصطفى حجازي، لـ"النشرة": "إن أعداد النازحين من الجنوب تزداد يومًا بعد يوم، وبلغت حتى الآن، وفق الإحصاءات الرسمية –أي المسجلين ضمن صيدا الإدارية فقط– نحو 7 آلاف شخص موزعين على 23 مركز إيواء، بالإضافة إلى نحو 5 آلاف نازح موزعين على 1253 عائلة يقيمون لدى أقارب أو معارف أو استأجروا منازل."
وتابع حجازي: "لم نقدم لهؤلاء أي شيء حتى الآن لأنّ همنا الأكبر كان توفير الاحتياجات لهم في مراكز الإيواء، على أن ننتقل إليهم في المرحلة الثانية". وأضاف "أن هناك آلاف النازحين الذين لم يتم إحصاؤهم حتى اليوم، وهم ينتشرون في البلدات المحيطة بالمدينة وقرى قضاء صيدا وعلى طول منطقة ساحل جزين.
وأكد حجازي: "إن صيدا تواجه تحديات كبيرة اليوم في ظل توسع رقعة العدوان الإسرائيلي على الجنوب. وأبرزها:
1-المخاوف من استهداف إسرائيل للمدينة، ما يعني كارثة كبرى،
2-استدامة تأمين احتياجات النازحين من الغذاء والمياه، ومعالجة مشاكل البنية التحتية في مراكز الإيواء بسبب الضغط الكبير عليها،
3-دعم الأطفال والنساء وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، فضلاً عن المرضى وأصحاب الأمراض المزمنة وتوفير الأدوية لهم."
وأوضح حجازي أن "الجميع أصيب بالارتباك في الأيام الأولى لتوسع العدوان؛ الدولة ومؤسساتها والمنظمات الدولية لم تكن تتوقع هذا العدد الكبير من النزوح دفعة واحدة". لكنه أشار "الآن تم استيعاب الصدمة وبدأنا في ترتيب الأولويات. الدولة، بالتنسيق مع محافظ الجنوب منصور ضو والبلديات، توفر بعض الاحتياجات وفق الإمكانيات المتاحة، كما بدأت المنظمات الدولية بتقديم المساعدات."
ويعاني لبنان منذ سنوات من أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة، مما جعل مؤسسات الدولة وبلدياتها عاجزة عن تطبيق خطة الطوارئ التي أُعلن عنها مع بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان في 8 تشرين الأول 2023 بعد عملية "طوفان الأقصى" في غزة. الأمر الذي دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، إلى مناشدة المجتمع الدولي والمنظمات الإغاثية لتقديم المساعدات العاجلة للبنان وللنازحين، حيث قدرت احتياجاتهم المالية بنحو 427 مليون دولار خلال الاشهر الثلاثة المقبلة.
وأشاد حجازي بدور الجمعيات الأهلية والكشفية والإسعافية في صيدا، والتي كانت وما تزال العمود الفقري لجهود الإغاثة، حيث تحملت العبء الأكبر. وأضاف: "نرى التضحية بالوقت والجهد والمال معًا، إذ تتولى هذه الجمعيات إدارة المراكز، إلى جانب المطابخ التي تقدم وجبات ساخنة والمبادرات الفردية التي كانت لافتة ولم تتوقف حتى اليوم". ودعا إلى المزيد من التنسيق مع خلية الأزمة من أجل تنظيم العمل وتحسين التوزيع.