قد يكون من المبكر جداً الحكم على طبيعة سير العمليات العسكرية الميدانية في الجنوب، ولكن اذا ما استمرت الامور على حالها، فإن النكسة التي اصيب بها الاسرائيليون عام 2006 على الارض اللبنانية، ستتكرر وقد تكون المفتاح الاساسي للوصول الى حلّ سياسي ودبلوماسي بدأ العمل عليه بالفعل.
لطالما قال حزب الله وامينه العام الذي استشهد السيد حسن نصر الله ان الكلام للميدان وان اقصى ما يتمناه هو توغل اسرائيل برياً للاشتباك معها، وفي حين اعتبر البعض انه كان يبالغ، فإن الكثيرين كانوا يعتقدون ويثقون بأن الافعال لن تختلف عن الاقوال. فهل وقع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في الفخ البرّي؟ في الواقع، لم يكن هناك من فخّ، بل واقع لا يمكن الهروب منه، ويفيد بأنه اذا اراد نتنياهو ومن معه تحقيق هدف تطمين المستوطنين في الشمال للعودة الى منازلهم ومستوطناتهم، فلا مفرّ من التوغل البرّي، تحت أيّ مسمّى، أكان عملية او غزو او احتلال موقت... ومما لا شك فيه ان غرور نتنياهو بدأ يعلو بعد اغتيال السيد حسن، وعلى مشاهد التفوّق الجوي المسبّب للدمار والمآسي في المناطق اللبنانية، وتزايد النفوذ الاسرائيلي على لبنان لفرض ما يريد تحت وقع ترسانة الاسلحة التي تملكها القوات الاسرائيلية والتصريح الدائم لاستعمالها بغض النظر عن المجازر والاستهتار بحياة المدنيين العزّل، فمن تمّ تسليمه صكّ براءة في غزّة لن تكون ادانته في لبنان.
اراد نتنياهو ان يغرف اكثر فأكثر من تلّة المكاسب التي وضعها، وهو لا يزال يرغب في ذلك، ولكن ما حصل في اليومين الماضيين على الارض الجنوبيّة جعله يفكر من جديد بمدى قدرته على "اجتراح العجائب"، ويتراجع قليلاً عن تصوير نفسه كالرجل الخارق الذي باستطاعته محاربة الجميع والتفوق عليهم، خصوصاً بعد الضربة الايرانيّة التي لا تزال تداعياتها حاضرة، وخلقت الحيرة والشك في نفوس الاسرائيليين الذين كانوا يعدّون العدّة لتكريس نتنياهو كأحد ابرز رجالاتهم على مرّ التاريخ.
وفي عودة الى المواقع الميداني الجنوبي، فإنه اذا ما استمر الحزب على وتيرته هذه ونجاحاته التي يحقهها باعتراف الاسرائيلي قبل غيره، فقد يجد رئيس الوزراء الاسرائيلي نفسه امام خيارين: إما الرهان بما حققه لتحقيق اقصى ما يمكن من مكاسب اضافية فيصبح عندها رجل اسرائيل الاول ويتم تبييض صفحته امام الاسرائيليين، وإما استيعاب الواقع والاكتفاء بالمكاسب الحالية للبناء عليها وضمان استمراره في الحياة العامة. في الخيار الاول مخاطر عديدة، اذ انه على الرغم من قدرته على التملّص من الضغط الدولي على جرائمه ومن ضغط اهالي الاسرى الاسرائيليين، فسيكون من الصعب جداً تكذيب حقيقة النكسة التي سيصاب بها ميدانياً اذا ما تمكن الحزب فعلاً من اقران قوله بالفعل على غرار ما قام به في اليومين الماضيين. يراهن رئيس الوزراء الاسرائيلي على غروره وحظّه الذي اسعفه، حتى اليوم، على تجاوز العديد من العوائق والحواجز الشائكة، ولكن المواجهات لا تحتاج الى دهاء سياسي وتخطيط دبلوماسي ولا تعترف الا بنتيجة المعارك، وبالتالي فإن نسبة خسارته موجودة وليست بالضئيلة.
في حين ان الخيار الثاني يوفّر له نسبة فوز اكبر بكثير، فالاحتفاظ بالمكاسب التي حصل عليها، تسمح له باستعمال قدراته السياسية والدبلوماسية لتعزيز صورته وتسويق نفسه على انه الفائز الحقيقي من مواجهة على اكثر من محور وعلى اكثر من صعيد، وتعيده الى الساحة الدولية والمحلية بقوة، وتضمن الى حد بعيد تحقيق غالبية الاهداف التي وضعها، كما تعطيه فرصة ادّعاء الانتصار على كل الجبهات من دون القلق من تغيّر نسبة النجاح، ويتيح له استكمال عمليّة التطبيع، وهذا الامر من شأنه ان يسرّع التسوية ووضع المنطقة على طريق الحلّ. من المؤكّد انّ الايّام والاسابيع التالية حاسمة، خصوصاً على الصعيد الميداني، فهل يضع نتنياهو أمواله على غروره ام على الواقع المستجد؟.