يوحي الاسرائيليون ان قرار وقف الحرب هو عند "حزب الله"، كما جاء في كلام مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة داني دانون: "يمكن أن تتوقف الحرب إذا توقف حزب الله عن استهدافنا وانسحب إلى شمال الليطاني".
لا يعكس هذا الموقف حقيقة مسار الحرب الجارية، لأن الشروط الاسرائيلية تتدرّج بحسب المستجدات الميدانية. يُجمع خبراء في الشؤون الاستراتيجية ان إسرائيل بعد اغتيالها قيادات اساسية في "حزب الله"، ظنّت ان الحزب انهار، وخطّطت لإنقلاب في المشهد اللبناني، إلى حد وضع تصوّر عن مرحلة ما بعد "حزب الله".
جاء الهجوم الإيراني على اسرائيل، ليرفع راية حمراء في وجه تل أبيب، ويلوّح بتوسيع المواجهات العسكرية، ويؤكد للحزب ومناصريه وحلفائهم ان ايران سند لهم. لكن ذلك لم يمنع إسرائيل من تنفيذ مشروع "فرض استسلام حزب الله"، عبر الاعتداءات على البيئة الحاضنة للحزب في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، إضافة إلى محاولة التقدم العسكري البرّي غير المحدد المعالم، والذي قد يمتد إلى ما بعد الليطاني، بحسب مجريات الميدان. لكن التصدي الحدودي الذي يقوم به مقاتلو "حزب الله"، خفّف من طموحات الاسرائيليين برّياً، من دون ان يلغيه من اجندة تل ابيب التي بدأت تدرس خيار الدخول عبر سوريا، للالتفاف نحو لبنان، وهي قامت بإستهداف مواقع عسكرية دفاعية سورية قرب القنيطرة والسويداء تحضيراً لذلك، لكن تردّدها هو جرّاء الخشية من تصرف روسي بات يهدّد ضمناً بخلط الحسابات.
يهدف الاسرائيليون إلى فرض استسلام الحزب، بأي صيغة عسكرية او سياسية دبلوماسية، وهو ما ترفضه طهران التي ارسلت وزير خارجيتها عباس عراقجي الى لبنان.
يوحي حراك الإيرانيين بالاستعداد لكل السيناريوهات، بعدما سمعت طهران طمأنة من دول الخليج العربي انها لن تكون منصة لاي استهداف يطال ايران، بينما سيرفد صمود الحزب الميداني جنوباً مسار الدبلوماسية لاحقاً، وهو ما يبحث عناوينه عراقجي مع المسؤولين اللبنانيين، وخصوصاً رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يقود مبادرة وقف الحرب فوراً، عنوانها: تنفيذ القرار الدولي ١٧٠١ و نشر الجيش اللبناني في الجنوب. وهي مسائل تم الاتفاق عليها سابقاً مع المبعوث الاميركي آموس هوكشتين، بموافقة الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله آنذاك، قبل اغتياله. لكن المشكلة بقيت في مسألة الترابط بين جبهتي غزة ولبنان.
تكمن أهمية زيارة عراقجي بمدى معرفة تلك المسألة: هل سيبقى الترابط في حسابات "حزب الله" والإيرانيين، كما صرّح نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم؟ ام ان الإيرانيين يمكن ان يجدوا مخرجاً لإحراج الاسرائيليين وإخراج لبنان من الصراع القاتل؟
بحسب المعلومات، فإن أي اتفاق سيكون ضمن سلة دولية كبيرة، خصوصاً ان الاسرائيليين رفعوا في الايام الماضية من مطالباتهم وتخطوا حدود القرار الدولي ١٧٠١ وشمال الليطاني، إلى الغاء مشروع المقاومة في المجتمع اللبناني، وهو ما يبدو مستحيلاً في حسابات بيئة الحزب وحلفائه.
تبدو المسألة متشابكة ومعقّدة حالياً، في ظل غض طرف أميركي عن الاعتداءات والشروط الاسرائيلية، في زمن انشغال واشنطن بإنتخاباتها. مما يعني انتظار مسارين: مواجهات الميدان جنوباً، و رصد الاحتدام الاقليمي. وهما مساران سيفرضان الحل الدبلوماسي في اي لحظة، قبل تفلّت الاقليم نحو اشتعال غير مضبوط سيضرب الاقتصاد العالمي، جرّاء اسعار النفط والغاز والحركة التجارية في مضائق اساسية، في توقيت لا تريده واشنطن.