قبل إغتيال أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، كان من الممكن، من ضمن السجالات التي لم تتوقف، إستمرار الجدل حول معادلة فصل جبهة الجنوب عن جبهة غزة، لا بل ربما كان من المفترض أن يتراجع هذا الجدل، في لحظة إختلاق حادثة مجدل الشمس، التي كانت المبرر لتنفيذ عملية إغتيال القيادي في الحزب فؤاد شكر، خلال تواجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في الولايات المتحدة.
العودة إلى حادثة مجدل شمس، ضرورية لفهم تاريخ القرار الإسرائيلي بالتصعيد، الذي بات من الواضح أنه يأتي من ضمن سياق عام، يعيد إلى الإذهان حديث وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس، خلال حرب تموز 2006، عن أن آلام تلك الحرب هي المخاض العسير لولادة الشرق الأوسط الجديد.
هنا، من الممكن طرح الكثير من علامات الإستفهام، حول الإطار الإقليمي لهذه الحرب، أي التوسع في الأهداف نحو خلق واقع جديد في الشرق الأوسط: هل كان ذلك بعد عملية إغتيال السيد نصرالله، التي جاءت تتويجاً لمجموعة من الضربات العسكرية التي تعرض لها "حزب الله"، أم أن ذلك كان قائماً من قبل، خصوصاً أن نتانياهو كان يتحدث، طوال الأشهر الماضية، عن السعي لتغيير الواقع في المنطقة، وهو ما عبر عنه بشكل حاسم في خطابه أمام الكونغرس.
بعيداً عن هذه الصورة العامة، التي تحتاج إلى المزيد من الوقت كي تتضح أكثر، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الأكيد هو أنه بعد إغتيال السيد نصرالله، عادت مشاريع رسم خارطة جديدة للمنطقة، حيث بدأ الحديث، في بعض الأوساط الإقليمية، عن مرحلة ما بعد أمين عام "حزب الله"، عبر بعض الإشارات غير الرسمية، التي كانت ترى أن هناك فرصة لخلق واقع مختلف في لبنان.
بالنسبة إلى هذه المصادر، الحديث عن واقع جديد في البلد، المقصود فيه القضاء على "حزب الله" أو تحويله إلى حزب سياسي، يأتي في إطار مشروع أكبر، هدفه السعي إلى إضعاف طهران إلى الحدود القصوى، ما يبرر إطلاق حملة واسعة تستهدف الترويج لسردية تخليها عن الحزب، بالإضافة إلى مبادرته لتنفيذ الهجوم على إسرائيل، مع الإشارة إلى نقطة هامة جداً، تتعلق بالموقف الروسي، لناحية عدم تلقي الرئيس فلاديمير بوتين إتصالا من نتانياهو، قبل الهجوم الإيراني، بحسب ما كانت ذكرت إحدى الصحف العبرية، ما يؤشر لإدارك موسكو أبعاد ما يحصل.
في الأيام الماضية، نجح "حزب الله" في إثبات قدراته على الإستمرار عسكرياً، ما يعني إفشاله الخطوة الأولى من المشروع الكبير، إلا أن الرهانات على نجاحه لم تتوقف، خصوصاً أن الأمور لا تزال في بداياتها، على عكس ما قد يظن البعض.
في هذا المجال، تلفت المصادر المتابعة إلى الموقف الذي صدر عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، الذي أكد فيه أن إدارة جو بايدن "ترى من المناسب لإسرائيل أن تواصل هجماتها البرية والجوية على حزب الله في الوقت الحالي"، الأمر الذي ترى فيه إعطاء المزيد من الوقت لنتانياهو، وهو ما لا ينفصل عن حديث بعض المسؤولين العرب عن مشروع بعيد عن "المليشيات الطائفية".
هنا، قد يكون من المفيد التذكير، بحسب هذه المصادر، بأن رهان بعض الجهات العربية يتلاقى مع رهان نتانياهو، بالنسبة إلى تفضيل فوز دونالد ترامب في الإنتخابات الأميركية، في حين يعتبر الكثيرون أن الحرب الحالية ستلعب دوراً أساسياً في إختيار خليفة بايدن، بعد تراجع تأثير حرب غزة على المشهد.
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أن ما ينبغي التوقف عنده أيضاً هو غياب أي مفاوضات تتعلق بالحرب على لبنان، بالرغم من أن الجانب الرسمي في بيروت ذهب إلى تقديم بعض التنازلات، في الشكل أو في المضمون، ما يؤكد أن الميدان في الجنوب لا يزال هو المقرر الوحيد، ليس فقط لمستقبل الأوضاع الداخلية، بل أيضاً لمصير المعادلات في المنطقة، ما يناقض ما يتم الترويج له عن عملية برية محدودة.