«لنذهَبْ نحن أيضًا لكي نموت معه!» (يوحنَّا 11: 16). هذا ما قاله القدِّيس توما الرّسول الَّذي نعيِّد له في السّادس من شهر تشرين الأوَّل.
آية قياميَّة صرف، سواء أأدرك توما في وقتها معناها العميق أم لم يدرك. وقد جاءت ضمن سياق كلام الربِّ يسوع المسيح عن لعازر. ففي بداية الكلام قال يسوع بأنَّ لعازر قَدْ نَامَ. لكِنَّه سيذهب ليوقظه.
كان يسوع يقصد أنَّ صديقه لعازر مات، وهم ظنُّوا أنَّه نائم. وعندما قال لهم بأنَّه مَاتَ، نطق توما بآيته.
ما جرى يلخِّص التدبير الإلهيَّ الَّذي أتمَّهُ الربُّ من أجل خلاص البشريَّة. فبتجسُّده بات الموت الجسديُّ رقادًا، وأصبحنا نحن بيسوع قياميِّين.
ولكنْ يبقى الموت الحقيقيُّ موت الحياة الحقيقيَّة أي الابتعاد عن يسوع، لأنَّ يسوع هو الحياة، وهذا معنى اسمه «يهوه يشع» أي الكائن الَّذي يخلِّص، والكينونة هي الحياة، وكلمة حياة في اللغة العربية هي نفسها «يهوه» في الجذر، والتشابه كبير في اللفظ.
بالعودة إلى ما قاله توما «لكي نموت معه!»، نسألك يا توما، هل أدركت أنَّك نطقت بأروع آية في اللاهوت؟ فمن مات مع المسيح ولأجله قام معه إلى الحياة الأبديَّة. لقد لخَّصت كلَّ الخلاص الإلهيِّ للبشر بكلمتين. وهذه أصعب آية في الإنجيل وأعظمها في آن. إن لم يمت الإنسان عن ذاته فلن يحيا، وسيبقى ترابيًّا صرفًا. فالموت عن الذات في المسيحيَّة هو كلُّ المسيحيَّة، لهذا نحن قياميُّون بالمسيح يسوع.
العالم اليوم يتخبَّط لأنَّه يريد أن يحيا من دون المسيح. والحياة في المسيح ومعه هي مرور بالصليب، الطريق الوحيد إلى القيامة المجيدة.
هذا هو شعارنا: «بالصليب ننتصر». الانتصار الأوَّل يبدأ بالانتصار على ذواتنا. هذا أعظم انتصار، لأنَّه ولادة جديدة بالروح القدس بعد القضاء على أهوائنا المعيبة بالتوبة الصادقة المفعمة بالأعمال الَّتي تليق بهويَّتنا المسيحيَّة السماويَّة وعلى رأسها التواضع المليء بالمحبَّة المبذولة.
الفنُّ الإيقونغرافيُّ يظهر توما الرسول بمشاهد مختلفة. فهو يحمل بمفرده رسالة، إشارة إلى رسالة يسوع الَّتي حملها وبشَّر بها في الشرق، في الرها وبلاد فارس والهند وجوارها، وله اعتبار كبير هناك وفي باكستان وسيريلانكا. وأحيانًا تكون الرسالة مفتوحة ومكتوب عليها عبارة: «ربِّي وإلهي».
وهناك أيقونة توما واضعًا إصبعه في جنب السيِّد، بالإضافة إلى ظهوره في أحداث إنجيليَّة أخرى ومع التلاميذ، وتسلُّمه زنَّار العذراء في أيقونة رقادها.
ملامحه في الأيقونة شابَّة، وهذا متَّفَق عليه في التسليم الشرقيِّ.
نجد له لوحات زيتيَّة شهيرة في الغرب تعود إلى بداية القرن السابع عشر، أشهرها L'Incrédulité de saint Thomas (Le Caravage) يضع فيها توما إصبعه في جنب يسوع، ولوحة الرسَّام Rembrandt المعروفة بنفس الاسم أعلاه حيث يبدو الرسول طاعنًا في السنِّ.
نشاهد توما في بعض اللوحات حاملًا سيفًا، وفي أخرى رمحًا، إشارة إلى استشهاده، كما نشاهد équerre إشارةً لما يحكى أنَّ ملكًا من المملكة البارثيَّة في آسيا طلب من توما أن يبني له قصرًا فخمًا، فبنى له عوضًا عن ذلك قصرًا في الملكوت، وذلك بتوزيع المال على الفقراء. وهناك لوحات نشاهده فيها بمفرده يشير بإصبعه.
توما هو من الجليل ونقرأ اسمه «التوأَمDidymus » في إنجيل يوحنَّا (11: 16 -21: 2)، وهذا معنى اسم توما Thomas والاسم to'am مذكّر وموجود في اللغة الساميَّة.
الاسم عنوان في المفهوم الشرقيِّ، وكم جميل أن نكون توأمًا بالنعمة مع خالقنا الَّذي أتى إلينا ليرفعنا إليه!.
لتوما الرسول أيضًا مواقف لافتة جدًّا مع يسوع، فبالإضافة إلى ما سبق، نجده يسأل يسوع بجرأة وباندفاع كبيرين عن مكان ذهابه عنهم بعدما أشار الربُّ عن صلبه وقيامته، وأيضًا عن الطريق الَّذي يجب أن يسلكه التلاميذ، فيجيب الربُّ: «أنا هو الطريق والحقُّ والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلَّا بي» (يوحنَّا 14: 6).
ويبقى الأمر الأكثر شهرة عند توما هو شكُّه الذي هو شك التلاميذ قبله وشكّنا جميعًا، وقوله للربِّ بعد قيامته: «ربِّي وإلهي!» (يوحنَّا 20: 28).
هاتان الكلمتان «ربِّي وإلهي»، تشكِّلان مسك الختام وكلَّ محور حياتنا، فلا حياة لنا من دون الربِّ يسوع المسيح.
إلى الربِّ نطلب.