لم يعد هناك من مجال للشك او التبرير: العالم كله يقف ضد لبنان، بغض النظر عما اذا كان السبب حزب الله ام ايران ام التوجهات السياسية المختلفة في هذا البلد. ما يحصل تخطى كل التوقعات والتحليلات والحسابات التي كانت موضوعة، ولم يعد من الممكن الرهان على الولايات المتحدة الاميركية او اوروبا للقول انهما صوت العقل في حضور رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وفرقته من "المجانين".
قبل الحرب، كان الاعتقاد بأن العالم الغربي لن يسمح بضرب لبنان بهذا الشكل، لاسباب عديدة وفي مقدمها خوفه من طوفان النازحين السوريين الذين سيضاف اليهم الكثير من اللبنانيين، فيصل بحر النزوح الى اوروبا ومنه الى العالم اجمع. كان هذا التفكير منطقياً، ولكن بما اننا نتعاطى مع اناس غير منطقيين ولا يقيمون وزناً لاي حسابات سوى مصالحهم، حصل ما لم يكن في الحسبان.
ففي خضم الحرب والمواجهات وويلاتها، كانت الانباء الواردة على الحدود اللبنانية-السورية تفيد بأن اعداداً كبيرة من النازحين السوريين وعدد من اللبنانيين، بدأوا بالتوجه الى سوريا طلباً للامان، واعتقد معظم اللبنانيين ان الحرب قد تكون السبيل الوحيد لاقناع السوريين بالعودة، من دون اعتراض المنظمات والجمعيات الدولية التي ترغب في ابقائهم في لبنان، وهو ليس بسرّ. وما ان انتشر الخبر، حتى عمدت اسرائيل الى قصف معبر المصنع بطريقة لا تمتّ الى الواقع والمنطق بصلة، اذ فجأة تحوّل هذا المعبر الى جسر وصول الاسلحة الى حزب الله! هل اكتشفت اسرائيل الآن، وهي التي اثبتت انها تمتلك (بفضل الغرب) تكنولوجيا قادرة على اكتشاف مكان قادة حزب الله واركانهم وعناصرهم، ان الاسلحة كانت تمرّ عبر معبرالمصنع؟ وهل اصبح حزب الله في المراحل الاخيرة من مخزونه من الاسلحة بعد ان تم ضرب طريق المصنع، اذا صحت الادعاءات الاسرائيلية؟.
في الواقع، ليس الامر بهذه البساطة، وكما علّق النائب جميل السيّد حول ان استهداف المصنع هو لمنع النازحين السوريين من العودة، فإنّه من المعلوم ان اسرائيل باتت تفرض حصاراً جوياً وبرياً وبحرياً على لبنان، ولو بشكل غير رسمي. اذ ليس هناك من مجال لايّ طائرة ان تغادر او تحط في مطار بيروت، من دون ان توافق اسرائيل (عبر الدول المعنيّة) على لائحة المسافرين او على وصول طائرات الى لبنان (وهو حصار جوي) كما انها ابقت على حركة المطار كرمى لعيون الدول التي تجلي رعاياها من لبنان. وليس من الممكن وصول السفن الى المرافئ اللبنانية من دون موافقة اسرائيليّة على خط سيرها ومعرفة كل التفاصيل المتعلقة بها ومن على متنها (وهو حصار بحري). وها هي عملية قصف المعبر البري الوحيد للبنان الى الخارج لتؤكد انه ممنوع التفكير بعودة النازحين او مغادرتهم الى دول اخرى (وهو حصار بري). كان الغرب يخشى من نزوح السوريين واللبنانيين اليه، ففوّض ذراعه العسكري المجرم في هذه المهمة الوسخة ليقنع نفسه ان يديه لن تتلوثا بهذه الجرائم، وبالطبع لم يتردّد الاسرائيليون المعروفون بوحشيتهم، في تلبية النداء واعطاء العالم دروساً في اراقة الدماء، وسط تصفيق العالم لهم وتقديمهم على انهم صورة الديمقراطيّة والتطور...
يريد العالم ان يكسر لبنان وليس فقط حزب الله او الطائفة الشيعيّة، فبقاء النازحين على ارضه كفيل بتعميق الانشقاق بين ابنائه، وهي طريقة جهنميّة مبتكرة لابقاء الضغط على اللبنانيين وفرض ما يريده الخارج عليهم. كلهم خبثاء، وكلهم لا يحبون لبنان ولا اللبنانيين، جميع اللبنانيين وليس فئة منهم فقط، وعلى من لا يزال يعتقد بعكس ذلك ان يعي حقيقة ما يحصل وان يتمسّك، على الاقل، بقناعته حتى لو انه غير قادر على فرضها، كي يبقى الحقّ حاضراً في النفوس بعد ان يتم العمل على محوه في الواقع.