تحول العدوان الإسرائيلي على لبنان إلى حرب مفتوحة بلا حدود أو ضوابط، وانتقلت إسرائيل إلى مرحلة جديدة من الاستهدافات، تجمع فيها بين التفوق الجوّي والحرب النفسية والتهويل، في محاولة لتحقيق أهدافها التخريبيّة التي بدأت تتحطم على أعتاب التوغّل البري، بعد المواجهة الشرسة مع عناصر "حزب الله" وإلحاق الخسائر البشرية الكبيرة بها.

وتؤكّد مصادر سياسية لـ"النشرة" أن الكلمة اليوم للميدان، وأنّ الاختبار الجدي سيكون في التوغل البري الإسرائيلي، الذي سيرسم صورة المرحلة المقبلة. ذلك أن الحراك الدبلوماسي والسياسي، العربي منه والدولي، ظلّ محدودًا، ومجرد أفكار غير متكاملة ولم يرقَ إلى صياغة مبادرة لوقف إطلاق النار أو التوصل إلى تسوية، في ظل الضوء الأخضر الأميركي المفتوح لإسرائيل لاستكمال حربها الضروس ضد حزب الله، واغتيال قادته وضرب بنيته التحتية.

وخرق الحراك الدبلوماسي الخجول، زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى لبنان، وهي الزيارة الثانية بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو مساء الأحد الماضي. وأوضحت المصادر السياسية أن عراقجي حمل رسالتين حاسمتين: الأولى دعم لبنان حكومة وشعبًا ومقاومة، والثانية رفض فصل جبهة الجنوب اللبناني عن غزة كما يطالب رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، تمهيدًا لإعادة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم.

وقد جاء هذا في ظلّ جهود لبنانيّة للتوافق على تسوية داخلية تحصن الجبهة، وقد ترجم ذلك بلقاء جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، والنائب السابق وليد جنبلاط. وقد عبروا عن الموافقة على تطبيق القرار 1701 ونشر الجيش اللبناني بعد وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان. وقد استُكمل ذلك مع زيارة النائب وائل أبو فاعور إلى القوى السياسية اللبنانية.

وسط هذه الجهود، تتّجه الأنظار باهتمام بالغ إلى التهديدات الإسرائيليّة بشن عدوان قاسٍ على إيران، وذلك ردًا على ردها الأخير على اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وقائد فيلق القدس في لبنان عباس نيلفروشان، ما ينذر بشرارة حرب إقليمية واسعة تدخل المنطقة برمّتها في أتون النفق المظلم.

رصد تطورات

هذا، ورصدت المصادر السياسية في الأيام القليلة الماضية سلسلة من التطورات، يمكن تلخيص أبرزها كالتالي:

-إعلان إسرائيل عن بدء التوغل البري في المنطقة الحدودية، حيث جرت اشتباكات دامية مع المقاومة، خاصة في العديسة وكفركلا ومارون الراس ويارين، وأسفرت عن تكبيد القوات الإسرائيلية المعادية خسائر بشرية كبيرة، ما سيدفعها إلى إعادة حساباتها قبل الإقدام على اجتياح بري وحصر هدفها بتدمير البنية التحتية كما أعلن مسؤولوها السياسيون والعسكريون.

-طلب إخلاء أكثر من 50 بلدة جنوبية في أقضية الجنوب كافة، وذلك على أربع مراحل متتالية، وغالبيتها العظمى جنوب نهر الليطاني، وصولًا إلى حدود منطقتي النبطية والزهراني، ودعوة سكانها إلى النزوح شمال نهر الأولي–صيدا، في مؤشّر واضح على توسيع الغارات والقصف.

-توسيع بنك الأهداف الإسرائيلية ليشمل المخيّمات الفلسطينية جنوب الليطاني، بعد استهداف ثلاثة منها على التوالي: البص–صور، عين الحلوة–صيدا، والبداوي–طرابلس، واغتيال مسؤولين في حركات المقاومة، ولا سيما من حركة حماس والجبهة الشعبية وكتائب شهداء الأقصى.

-طلب قوات الاحتلال الإسرائيلي من اليونيفيل إخلاء بعض المواقع عند الخط الأزرق، لكنها رفضت ذلك وبقيت في مواقعها في القطاعات الغربي والأوسط والشرقي في المنطقة الحدودية، بعدما أبلغتها إسرائيل عزمها التوغل بريًا بشكل محدود في تلك المنطقة.

-لاحظ أبناء الجنوب أنّ الغارات الإسرائيلية، وخاصة في المناطق الجبليّة والمرتفعات وحتى المناطق السكنيّة، كانت شديدة جدًا من حيث قوّة الصواريخ وغير مسبوقة، ما يفسّر بأنّها حديثة جدًا، حيث سُمع دويّها على مسافات بعيدة، ما خلق حالة من القلق والخوف لدى المواطنين ودفع الكثير منهم إلى النزوح بسرعة.

-استهداف المسعفين في الهيئة الصحية الإسلاميّة بشكل مباشر، حيث استشهد 11 مسعفًا مؤخرًا في الجنوب (7 في جديدة مرجعيون، 2 في شقرا، و2 في خربة سلم)، إضافة إلى استهداف مواقعها ومراكزها في منطقة الجنوب بأكملها، وذلك بعد الغارات التي طالت مواقعها في منطقة الباشورية في بيروت.

-اضطرار مستشفيات في الجنوب، وتحديدًا "مرجعيون الحكومي، ميس الجبل الحكومي، بنت جبيل الحكومي، وصلاح غندور"، إلى الإغلاق موقتًا بسبب استهداف المسعفين وصعوبة نقل الجرحى أو المرضى إليها، بالإضافة إلى تعذر تحرك الطواقم الطبيّة والتمريضيّة، ناهيك عن النزوح الكبير في المناطق المجاورة.