تشهد أسواق النفط العالمية تقلبات حادة على مر السنوات، متأثرة بشكل رئيسي بالتوترات الجيوسياسية، لا سيما تلك التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط. هذه المنطقة، التي تمثل واحدة من أكبر مصادر النفط الخام في العالم، تُعدّ ساحة للصراعات الإقليمية التي تلقي بظلالها على الأسواق الدولية. تتفاعل أسعار النفط بشكل ملحوظ مع أي أحداث سياسية أو عسكرية في هذه المنطقة، ما يدفع بالاقتصادات العالمية إلى حالة من عدم الاستقرار. ومع كل أزمة جديدة، تتجه الأنظار إلى قدرة الأسواق على التعامل مع هذه التحديات المستمرة.
في هذا السياق، تحدث الخبير والمستشار في الشؤون النفطية، الدكتور ربيع ياغي، لـ"النشرة" موضحًا كيفية تفاعل أسعار النفط مع التوترات الجيوسياسية المستمرة في منطقة الشرق الأوسط وتأثير ذلك على الاقتصاد العالمي.
التوترات والأسعار
أوضح الدكتور ياغي أن منطقة الشرق الأوسط تحتوي على نحو 50% من احتياطات النفط العالمية، ما يجعلها محورًا حساسًا في سوق النفط. فأي اضطرابات جيوسياسية أو عسكرية في مناطق الخليج العربي أو البحر الأحمر، تؤثر مباشرة على أسعار النفط، وكذلك على تكاليف التأمين والنقل، التي ترتفع مباشرة نتيجة للتوترات. ورغم ذلك، أشار ياغي إلى أن الارتفاعات في الأسعار غالبًا ما تكون مؤقتة، حيث تعود الأسعار إلى مستوياتها الطبيعية فور انتهاء الأزمات أو ظهور بدائل مناسبة.
أسعار 2024
خلال العام 2024، شهدت أسواق النفط تذبذبًا واضحًا، حيث تراوح سعر برميل النفط الأميركي ما بين 65 و85 دولارًا، بمتوسط 75 دولارًا. أما خام برنت، فقد وصل في حده الأقصى إلى 89 دولارًا، وفي الأدنى إلى 67 دولارًا، ما يشير إلى توازن نسبي رغم التوترات الإقليمية.
يضيف الدكتور ياغي أن الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت في السابق المستورد الأكبر للنفط، أصبحت اليوم من كبار المنتجين والمصدّرين، ما ساعد على تخفيف أثر الأزمات الجيوسياسية في الشرق الأوسط على الأسواق العالمية. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت زيادة الإنتاج من دول أخرى، مثل النرويج والولايات المتحدة، في تحقيق استقرار نسبي في الأسعار.
البدائل تحد من الارتفاعات
أشار الدكتور ياغي إلى أن الحديث عن ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات خيالية، مثل 300 دولار للبرميل، هو أمر غير واقعي. فالنفط لا يزال المصدر الأرخص للطاقة، إلا أن البدائل مثل الطاقة الشمسية والغاز الطبيعي تلعب دورًا في الحد من ارتفاعات كبيرة. كما أن أوروبا بدأت تعتمد بشكل أكبر على الغاز المستورد من دول مثل قطر وأستراليا لتعويض نقص النفط الخام، ما يعزز التوجه نحو تنويع مصادر الطاقة.
توتر غزّة ولبنان
في ما يتعلق بالتوترات الحالية في قطاع غزة ولبنان، أوضح الدكتور ياغي أن تأثيرها على إنتاج النفط العالمي محدود جدًّا، كون هذه المناطق ليست منتجة للنفط. يعتمد لبنان وإسرائيل على استيراد النفط، فيما يحصل قطاع غزة على المشتقات النفطية من إسرائيل، التي استطاعت تكييف أوضاعها لتوفير الاحتياجات المحلية.
مستقبل أسعار النفط
بالنظر إلى المستقبل، يتوقع الدكتور ياغي أن أسعار النفط ستظل مستقرة في حدود معينة خلال العام 2025، حيث لن تتجاوز 90 دولارًا في أسوأ الحالات، مع وجود حد أدنى ما بين 70 و75 دولارًا للبرميل. ويؤكد أن النفط لم يعد السلاح الفعّال كما كان في السابق، بسبب توافر البدائل مثل الغاز ومصادر الطاقة النظيفة، بالإضافة إلى قدرة دول الخليج على زيادة إنتاجها لتعويض أي نقص في الأسواق.
تبقى أسواق النفط عرضة للتأثر بالتوترات الجيوسياسية، إلا أن التحولات في إنتاج الطاقة وتوزيعها عالميًا تساعد في تخفيف حدة هذه التأثيرات. كما أن تطور بدائل الطاقة الأخرى، مثل الغاز والطاقة الشمسية، يشير إلى أن مستقبل النفط قد يكون أقل اضطرابًا مما كان عليه في العقود السابقة.