بعيدا عن الصور والمشاهد المصورة القديمة والمفبركة التي ينشرها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية أفيخاي أدرعي، هناك نوع آخر من الكذب والتضليل والحرب النفسية التي يحاول الرجل خوضها بوجه اللبنانيين، في الضاحية الجنوبية تحديداً، وبشكل يوميّ، انطلاقاً من التحذيرات التي يطلقها على شكل خرائط ومواقع أبنية يتم استهدافها.
في البداية لا بد من الإشارة الى أن الغارات الإسرائيلية التي تقع على الضاحية خلال الليل، تنطلق من توقيت له أهدافه ووقعه، فهي يمكن أن تُنفذ خلال النهار، لكن الجيش الإسرائيلي يتعمّد الضرب ليلاً بسبب الأثر الذي تتركه الغارات المنقولة على الهواء مباشرة في نفوس اللبنانيين عموماً وأبناء الضاحية الجنوبية خصوصاً، فالإنفجارات تظهر خلال الليل على شكل جبال من نار تملك تأثيراً نفسياً سلبياً، كما أن التوقيت، الذي يأتي يومياً في ساعات الليل المتأخّر، يرتبط أيضاً بإبقاء اللبنانيين مستيقظين، يتابعون الخرائط لمعرفة ما اذا كانت منازلهم في دائرة الاستهداف، وهذا ليس كل شيء.
ينشر أفيخاي عدداً من الخرائط، لكن عدد الاستهدافات دائماً ما يكون أكبر بكثير، فعلى سبيل المثال نشر ليل الأحد-الإثنين 4 خرائط ونفذ العدو ما يزيد عن 20 غارة على أكثر من 15 موقعاً، بحسب مصادر متابعة لما يجري في الضاحية، وتُشير المصادر الى أن هدف الخرائط نفسيّ بالدرجة الأولى، خصوصاً عندما تكون الأبنية المستهدفة داخل الضاحية الجنوبية.
هذا بالنسبة الى التوقيت الذي يهدف من خلاله العدو أن يُبقي التوتر قائماً، بما يؤثر على الشق النفسي لأبناء الضاحية، ويساهم بكيّ الوعي بالنار والدمار، فيكون الليل للغارات والصباح الباكر يتركه العدو لتصوير الدمار، بما يؤدي الغرض المطلوب، سواء لناحية التدمير الممنهج، أو التأثير النفسي.
أما بالنسبة الى الأماكن المستهدفة وطبيعة الصواريخ المستخدمة فلهذا قصة أخرى، إذ تجزم المصادر أن العدو بات يتعمد إلحاق أكبر ضرر ممكن بضرباته تحت ذريعة مراكز حزب الله أو مخازن السلاح، ويفعل ذلك من خلال تحديد نقاط معينة للإستهداف تقع بجانب محطات وقود، وهو فعل ذلك في برج البراجنة على ليلتين، في الحدث السانت تيريز حيث تسببت الغارة بتفجير محطة وقود استمرت نيرانها لساعات وأتت على حي كامل، وفعل ذلك أيضاً على طريق المطار منذ أيام، وهو بذلك يفجّر محطات الوقود دون أن يقصفها بشكل مباشر، بحجة المراكز.
يستهدف العدو بحسب المصادر الأحياء بشكل ممنهج، وتركيزه على مناطق برج البراجنة، والحدث، فخرجت مستشفى السانت تيريز عن الخدمة لبعض الوقت ثم تقرر استمرارها ببعض الأعمال الطبية، وهو يعمل على إنهاء كل مظاهر الحياة في الضاحية، كما يستهدف أماكن لها رمزيتها المعنوية لدى السكان، مثل ملعب الراية الذي لطالما كان مكاناً لاحتفالات الحزب، وأصبح اليوم مجمعاً سكنياً وتجارياً لا يزال قيد الإنشاء.
وكما يهتم بالتوقيت وطبيعة الأهداف، يهتم كثيراً بالصواريخ المستخدمة، ودون الدخول بأسمائها بسبب تعدد المصادر، إلا أن الأكيد هو اعتماده على أنواع خاصة تستمر أثارها التفجيرية لوقت طويل وتتسبب بحرائق ضخمة، وقد استعمل أفيخاي هذه الدعاية للقول أن كل المراكز المستهدفة هي مخازن سلاح، بينما رأينا في الجنوب كيف يكون استهداف المخازن! وهو أمر مختلف تماماً عما نشاهده في الضاحية الجنوبية، علماً أن إحدى الغارات في محيط الغبيري ضربت مخزن رصاص.