بنيامين نتنياهو، اسم سيذكره الاسرائيليون بشكل خاص، وشعوب المنطقة بشكل عام. الرجل مجنون من دون ادنى شك، وهذه السمة الاساسية التي سترافق اسمه على مرّ التاريخ، ولكن ما فعله بهذا الجنون وضربه المنطق العام بالعمق، جعلا منه الرجل المحوري في منطقة الشرق الاوسط في مرحلة صعبة، وبعد ان كان على شفا الوقوع في جحيم افعاله وممارساته السيئة، تمكن بسحر ساحر من ان يعزز نفسه ومكانته على عكس كل التوقعات.
جنون رئيس الوزراء الحالي نابع من عقيدة دينية راسخة في ذهنه، جعلته يعتقد انه على وشك ان يكون "المسيح المنتظر" لدى اليهود، وانه اخذ على عاتقه جعل "الدولة اليهودية" حقيقة راسخة، وتحويل الامر الواقع الذي تم فرضه منتصف القرن الماضي الى امر شرعي باعتراف جميع الدول (المؤيدة والمعارضة). هذه العقيدة قد تكون السبب الرئيسي لما حققه هذا الرجل، خصوصاً في قضية صراعه مع ايران وحزب الله والمنظمات الاسلامية الاخرى في المنطقة والتي تقاتل ايضاً انطلاقاً من عقيدة دينية راسخة من الصعب تحجيمها او القضاء عليها. وللاسف، لا يمكن ان ننكر ان نتنياهو حقق في هذه المواجهة بعض الانتصارات ولو انه تعرض لضربات قوية ايضاً، غير ان "جنونه" كان السبيل الوحيد له للاستمرار في الدرب الذي رسمه لتحقيق هدفه والذي يتضمن ايضاً الحفاظ على مصالح شخصية، فهو ليس بقديس ولا برسول من عند الله، ولو انه يعتقد ذلك.
استطاع نتنياهو ضرب منطق لطالما استند اليه الاسرائيليون، ويقضي بأنهم اعلى وافضل من باقي الشعوب، ولذلك كان الاهتمام بحياتهم وتكريم موتاهم له الافضلية على كل ما عداه من امور، وكانت تقوم الدنيا اذا ما تم اختطاف او احتجاز اسرائيلي واحد ويتم تقديم الغالي والرخيص في سبيل اعادته، كذلك الامر بالنسبة الى رفاة موتاهم، اذ كانوا على استعداد لمبادلتها بأرقام كبيرة جداً من الرهائن والاسرى. اليوم، لم نعد نشهد هذا الاهتمام، فها هم الاسرى لدى "حماس" قد طووا صفحة الاسر لمدة عام كامل من دون ان يتأثر المسؤولون الاسرائيليون، وهناك كلام عن تقبّل موتهم من اجل المصلحة العليا لاسرائيل!.
منطق آخر وقع ضحية نتنياهو وجنونه، وهي المجازر التي ارتكبها، ولا يزال، بحق المدنيين في غزة واراض فلسطينية اخرى، وفي لبنان ايضاً تحت ذريعة "القضاء على الارهاب". حتى تحرك العالم بأسره لم يكبح هذا الجنون، واستمر رهانه على تغيير العالم بدل ان يتغيّر هو، والمفاجأة انه كان له ما اراد، فالمنطق كان يقول بأنه لا يمكن لانسان، اياً كان، ان يتحمل ضغطاً خارجياً وداخلياً للتخفيف من القتل والتدمير، الا ان رئيس الوزراء الحالي اطاح بكل التجارب السابقة والتاريخ والرهانات على تغلّب الانسانية على الاجرام، وأكمل طريقه من دون اي عوائق. لا بل انقلب على القوانين والاعراف الدولية التي تم وضعها خصيصاً لمنع "المجانين" في السلطة من التمادي في غيّهم (على غرار تفجيرات البايجر مثلاً)، وخرج منها سالماً معافى.
ضحية منطقية ايضاً استشهدت على يد جنون نتنياهو وهي اغتيال كبار القادة في المنظمات التي يواجهها، وفي مقدمهم الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي كان استهدافه يعتبر من المحرّمات، نظراً الى المكانة التي كان يتمتّع بها والى المسؤوليات التي كان يتولاها والتي لم تقتصر على لبنان فقط. وبغض النظر عن نظريات المؤامرات والتخوينات وغيرها... تبقى الحقيقة ان نصر الله استشهد، ومرة جديدة لم يتعرض نتنياهو لاي مضاعفات.
في العادة، وفق المنطق، غالباً ما يكون مصير مثل هؤلاء "المجانين" الاغتيال، ولكن قد يضرب نتنياهو المنطق من جديد...