لم يكن خفياً تصاعد منسوب العمل الدبلوماسي والسياسي لتهدئة الامور في لبنان، بعد الجنون الاسرائيلي المتمادي، وانما ايضاً بعد التطورات الميدانية في الجنوب اللبناني. وفي ظل الكثير مما يحكى عن شروط وشروط مضادة، عاد الكلام في الصالونات السياسية الضيقة عن بعض العناوين العريضة التي وضعت على الطاولة لبحثها، وهي لا تقتصر فقط على الوضع العسكري والامني بل تشمل بطبيعة الحال الوضع السياسي والرئاسي بشكل اكثر دقة.

وفي ما خص الوضع الرئاسي، فإن ما يدور من كلام يرتكز الى ما خرج به ترويكا اللقاء في عين التينة (بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط)، والذي ألمح الى انتخاب رئيس توافقي. وعلى الرغم من تأكيد البعض على ان حظوظ رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف عون لا تزال قائمة وقوية، فإن ما تتناقله الصالونات يذهب في اتجاه اسمين آخرين لم يعلن عنهما كي لا يتم حرقهما في آتون الاسماء المتداولة، وان حظوظهما قوية بسبب كل التطورات التي حصلت إن على صعيد الحرب مع اسرائيل، او على صعيد خريطة الاتصالات السياسية الجديدة في مجلس النواب، وهما سيحظيان بالتالي بدعم دولي وعربي غير مشروط.

المرور السريع على الملف الرئاسي، نقل الكلام بشكل اسرع الى الملف العسكري، وهنا كان حديث عن ان التسوية باتت على النار، وان اتفاق الهدنة لمدة 21 يوماً الذي تمت صياغته سابقاً، قد يشكل الاساس المتين للتسوية المرتقبة. فالاتفاق كان قاب قوسين او ادنى من التطبيق، لولا نسفه من قبل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كان قرر اغتيال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وتبرّأ منه وبدأ يعدّ العدة لاتفاق جديد يفرض فيه شروطاً لم يكن بإمكانه طرحها سابقاً.

مما لا شك فيه ان نشوة الانتصار التي اصيب بها نتنياهو، جعلته يقع في فخ حزب الله الذي جرّه الى عملية برّية لم يكن المسؤول الاسرائيلي يعتقد ان تباشيرها ستكون مؤلمة بهذا القدر، الا ان الحزب استغلّ الفرصة التي سنحت له (والتي كنا اشرنا في مقال سابق الى انها فرصته الاخيرة لاستعادة توازنه وصورته بعد الضربات الموجعة التي تعرّض لها)، فزاد من كمية اطلاقه للصواريخ بشكل غير مسبوق، واستهدف مناطق حساسة بالنسبة الى الاسرائيليين ومنها حيفا التي تعتبر مركزاً استراتيجياً على المستويين الشعبي والاقتصادي، مع اثارة القلق حول منصات النفط والغاز المتواجدة هناك والتي ان تم استهدافها فلن يكون من السهل تخطي نتائجها.

حتى الآن، فإن الامور-دائماً بحسب ما يقال في الصالونات السياسية الضيقة- متجهة بجدية نحو التسوية، وعلى الرغم من ان ما قاله بري لجهة عدم جدية الاميركيين في التحرك، فإن الحراك قائم، وركيزته الاساسية القرار 1701 ( مع تطبيقه بشكل اكثر جدية)، انما المشكلة الاكبر تبقى في تأمين مخرج مناسب لحزب الله لتطبيق القرار. الخطوة الاولى في هذا المجال، هي اعتراف الجميع مسبقاً بقبولهم به، وهي خطوة اساسية يسهل الانطلاق منها الى التفاصيل، وعليه كيف سيتم تأمين المخرج المناسب للحزب ولنتنياهو على حد سواء؟ وقف اطلاق النار سيعتبر بلا شك انجازاً للحزب لان رئيس الوزراء الاسرائيلي كان اشار بوضوح الى انه لن يتراجع ولن يتوقف قبل القضاء على حزب الله وبنيته التحتية. اما تراجع الأخير الى خط الليطاني، فهو انجاز لنتنياهو الذي حصر هدف الحرب بالعودة الآمنة لسكان المستوطنات في الشمال، ولعل الطريق لتحقيق هذين الشرطين يكمن في اتفاق الهدنة لمدة 21 يوماً، اي بمعنى آخر تخفيف العمليات العسكرية بين الجانبين الى حدها الادنى، والتوقف عن استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، والعمل الحثيث على تعزيز حضور الجيش اللبناني جنوباً وتوسيع حركة "اليونيفيل"، بالتزامن مع امكان تراجع الحضور العسكري الاسرائيلي الكثيف على الحدود الجنوبية للبنان.

لا احد يؤكّد ان هذا الكلام اصبح قريباً من التنفيذ، ولكن كل المؤشرات الحالية تفيد بأن العمل جار على هذا المسار، وتبقى العبرة في القدرة على كبح جنون نتنياهو والعمل على "ارضاء" حزب الله الذي صمد في الميدان.