على وقع إستمرار العمليات العسكرية في الجنوب، لم يكن مستغرباً أن يعمد الجيش الإسرائيلي إلى إستهداف قوات "اليونيفيل"، نظراً إلى أنّ هذا الأمر يأتي من باب العمل المستمر نحو تغيير طبيعة مهامها، في ظلّ الصراع القائم، على المستوى الدبلوماسي، ما بين القرارين 1701 و1559 الدوليين.
في هذا المجال، من الضروري التذكير بأن تغيير طبيعة مهام "اليونيفيل"، هو مطلب إسرائيلي منذ سنوات، يعاد طرحه سنوياً في كل مرة يجري فيها النقاش، في أروقة مجلس الأمن الدولي، حول تجديد ولايتها، الأمر الذي كان يواجه، بشكل دائم، برفض لبناني صارم، إلا أن تل أبيب، على ما يبدو، تريد تكريس ذلك اليوم، إنطلاقاً من العدوان الذي تشنه على لبنان.
في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الإعتداءات الإسرائيلية على مواقع قوات الطوارئ الدولية، كان قد سبقها تحذيرات، وصلت إلى "اليونيفيل" في 30 أيلول الماضي، حيث تم الطلب منها، من قبل الجيش الإسرائيلي بشكل رسمي، نقل بعض مواقعها في المنطقة الحدودية، وهو ما رفضته تلك القوات مؤكدة على الإستمرار في مهامها، خصوصاً أنها نابعة من قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي.
إنطلاقاً من ذلك، تلفت هذه المصادر إلى أن الإعتداءات، الذي جاءت بعد هذا الرفض، هدفها دفع تلك القوات إلى تنفيذ الطلب الإسرائيلي بالقوة، على قاعدة الضغط على حكومات الدول المشاركة لتحقيق هذا الهدف، على قاعدة حمايتها من الخطر الناجم عن العمليات العسكرية، كمقدمة نحو طرح إعادة تشكيل قوة جديدة، بعد إنتهاء العدوان، تكون بصلاحيات أوسع من الحالية.
المواقف الصارمة، التي صدرت عن حكومات الدول المشاركة في هذه القوات، دفعت بعض الأوساط إلى الظن بأن هذا الأمر سيقود للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار، أو على الأقل تحريك المسار الدبلوماسي بشكل أكبر، إلا أن غالبية تلك الدول لا تملك التأثير على قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، حيث الأساس هو الموقف الأميركي الذي لا يزال يدعم الخطوات التي تقوم بها تل أبيب.
بالنسبة إلى المصادر المتابعة، ما تقدم لا ينفصل عمّا يجري في الداخل اللبناني من صراع سياسي، حيث هناك العديد من القوى التي ترفع لواء الذهاب إلى تطبيق القرار 1559، أي عدم الإكتفاء بالعودة إلى القرار 1701، حيث تؤكد أن وتيرة المطالبة بهذا الأمر ستتصاعد في الفترة المقبلة، بالرغم من تأكيد رئيس المجلس النيابي نبيه بري، المفوض من قبل "حزب الله" في ملف التفاوض، أن القرار 1559 بات خلفنا، مشدداً على أن المطروح هو القرار 1701 فقط، في تعبير واضح عما هو مقبول من الحزب.
من وجهة نظر هذه المصادر، الجانب الإسرائيلي، على الأرجح، لن يكتفي بما يقوم به، بل سيسعى إلى زيادة الضغوط على الجهات الرسمية في لبنان، لفرض الخروج من دائرة القرار 1701 نحو ما هو أوسع، بحجة أن هذا هو السقف المطلوب دبلوماسياً، للذهاب إلى إتفاق لوقف إطلاق النار، وإلا الإستمرار في الإعتداءات، لا بل توسيع دائرتها، وهو سيكون مدعوماً من الجانب الأميركي على هذا الصعيد، خصوصاً أن واشنطن كانت تدعم دائماً مطلب تغيير طبيعة مهام "اليونيفيل".
في المحصّلة، تشدد المصادر نفسها على أن العامل المقرّر سيبقى الميدان العسكري، أيّ قدرة "حزب الله" على الإستمرار في المعركة، سواء من خلال التصدّي لمحاولة التقدّم براً أو من خلال عمليّات إطلاق الصواريخ نحو المستعمرات، لكنها تلفت إلى أنّ الضغوط، في الفترة الفاصلة عن لحظة الوصول إلى التسوية، ستكبر يوماً بعد آخر.