في ظل انقسام اللبنانيين بين مؤيد للخط الاميركي والغربي والمؤيد للخط الايراني والشرقي، هناك حقيقة واحدة لا يمكن اغفالها تتعلق بالرغبة في احتلال لبنان من قبل الصديق والشقيق قبل العدو. في الوقت الحالي، نعيش حرباً شرسة على لبنان، وها هي اسرائيل تعلن بشكل واضح ما كانت تقوله في السر، انها ترغب في احتلال اجزاء من لبنان، تارة ارضاء لما تقول انه حقيقة دينية راسخة، وطوراً متذرعة بضمان الامن والاستقرار لسكان الشمال. وفي حين يتم خوض معارك ضارية على ساحة الجنوب اللبناني، ومع الاعتراف من قبل الجميع بصعوبة تواجد الجنود الاسرائيليين على الارض اللبنانية لفترات طويلة، الا ان الواقع يفيد ان اسرائيل تحتل لبنان من دون تواجدها على الارض، والا كيف لها ان تفرض بالقوة منع الطائرات من الاقلاع والتوجه من والى مطار بيروت؟ ومنع السفن والقوارب من التنقل داخل المياه الاقليمية اللبنانية؟ ومنع السكان من الاقامة في منازلهم في بيروت والجنوب على حد سواء؟ وحتى استهداف القوات الدولية "اليونيفيل" المتواجدة في الجنوب بنيران اسلحتها؟ والتحريض على التخلص من حزب الله واقامة حياة سياسية في لبنان وفق ما ترغب به؟.
كل هذه العوامل تسير الى ان اسرائيل تحتل لبنان، ولكن ما الذي منحها هذه السلطة ومن؟ امر واحد كان يعرفه البعض واصبح الجميع يعرفه اليوم، وهو ان ما يسمى بـ"ميزان القوى" الذي كان الحرص الاميركي والغربي على ان يكون لمصلحة اسرائيل، هو السبب. فالقوات الاسرائيلية قامت بكل هذه الامور بفضل سلاح الجو الذي حرص الجميع في الخارج على الا يكون له اي منافس في المنطقة ككل وليس فقط في لبنان. فحتى سوريا التي تمتلك سلاحاً جوياً، لا يسمح لها بكل هذه المواجهات، وان تم ذلك فسيتم التأكد من ان الافضلية التكنولوجية والنوعية ستكون في خانة اسرائيل. لا يسمح للبنان بالحصول على طائرات حربية او مضادات ارضية فاعلة للتصدي للطائرات الحربية الاسرائيلية، بفضل فيتو اميركي-غربي متجذر لا يمكن النقاش حوله. كيف اذاً يمكن مواجهة هذا التفوق الجوي اللامحدود؟ حين يتبجّح المسؤولون الاسرائيليون بأن يدهم قادرة ان تطال كل الدول، فهم يشيرون الى سلاحهم الجوي، وهذا ما فعلوه في سوريا واليمن والعراق وصولاً الى ايران، الامر بمثابة لعبة بالنسبة اليهم، ولكنها لعبة قادرة على تغيير كل الواقع على الارض. هي يمكن تخيّل ما الذي سيحصل لاسرائيل لو كان للبنان وسوريا حق استخدام سلاح جوي او نظام صواريخ دفاعي جوي عالي المستوى؟ عندها كان "ميزان القوى" متعادلاً على الاقل، لذلك كان العمل الدائم على فرض واقع جوي اسرائيلي فقط في المنطقة.
وعندما وضعت روسيا رجلاً لها في المنطقة، وتحديداً في سوريا ابّان الحرب السورية الاخيرة، استبشر البعض خيراً بأن التسيّد الاسرائيلي لاجواء المنطقة بدأ بالانحسار، وعندما حصل الحادث الجوي بين روسيا وتركيا، اعتبر هذا البعض ان في الامر رسالة غير مباشرة الى اسرائيل بأن ايام "الفلتان الجوي" قد ولّت. انما للاسف، غرقت روسيا في حرب اوكرانيا، وهي بالطبع ليست في وارد فتح معارك اخرى بعيدة عن بقعتها الجغرافية، وبالتحديد مع اسرائيل التي ترتاح في استباحة الاراضي السورية من دون اعتراضها ان من قبل الطائرات السورية او الروسية، او حتى من قبل منظومات الدفاع الجوية المتطورة على غرار "اس-400".
يمكن للصواريخ ان تؤذي اسرائيل، كما ان التصدي البرّي لقواتها يسبب لها -من دون شك- خسائر بشرية ومعنوية كبيرة، ولكن كل ذلك لا يمنعها من "احتلال" الدول المجاورة لها بفضل تفوقها الجوي، والّذي يسمح لها بفرض ما تريده من الشروط، خصوصاً وانها تعلم جيداً ان كل ما تقوم او ستقوم به سيحظى بغطاء دولي عارم لا يمكن خرقه. ولمن ينتظر زوال الهيمنة الاسرائيلية على المنطقة، ندعوه الى مراقبة "ميزان القوى"، فعندما يتم تعديله، تصبح السيطرة الاسرايئلية في خطر حقيقي، وحتى ذلك الحين، تبقى اسرائيل على احتلالها لقرارات الدول عبر قوّة الجوّ.