دخلت الحرب الإسرائيلية المفتوحة على لبنان أسبوعها الثالث، وسط مؤشرات تدل على احتمال استمرارها لفترة أطول وتوسّع نطاقها جغرافيًا، في ظلّ الصمت الدولي والتعثر الدبلوماسي الخجول، حيث لم تثمر الجهود حتى الآن عن مبادرة جادّة لوقف إطلاق النار، باستثناء مواقف ومطالبات متفرقة من هنا وهناك.
وأكّدت مصادر سياسية لـ"النشرة" أن التحركات الدبلوماسية تبدو وكأنها تنتظر تطورات الميدان، لا سيما لجهة المعارك العنيفة على الحدود الجنوبيّة، حيث تدور المواجهات بين جيش العدو الإسرائيلي ومقاتلي حزب الله. وقد نجح الحزب في التصدي لمحاولات التوغل البري، مُلحقًا خسائر بشرية بالقوات الغازية.
ووفقًا للمصادر، فإن نجاح إسرائيل في اغتيال الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، أو كبار المسؤولين العسكريين، وإرباك القيادة والتواصل، لا يعني بأي حال من الأحوال حسم نتائج المعركة لصالحها مسبقًا. فالمعارك الشرسة التي تدور على جبهة الجنوب، رغم الغارات الجوية المكثفة والقصف المدفعي العنيف، تؤكد أن المقاومين في حالة من الجهوزية التامة والاستعداد الكامل للتصدي لأي غزو بري مهما كانت طبيعته.
وأوضحت المصادر أن حزب الله قد استعد لحرب استنزاف طويلة الأمد، استنادًا إلى أن الحرب لا تزال في مراحلها الأولى، ومن المبكر الحكم على نتائجها. ويؤكد ذلك ارتفاع وتيرة إطلاق الصواريخ باتجاه المستعمرات الشمالية الإسرائيلية بشكل يومي، وتوسع نطاقها في العمق ليصل إلى مشارف حيفا والمناطق الأبعد داخل الأراضي الإسرائيلية.
كما يؤكد ذلك التصدي النوعي لمحاولات التوغل الإسرائيلي، وإفشال التقدم البري الذي كان مخططًا له من قبل جيش العدو. فقد اقتصرت محاولاته، بعد أكثر من عشرة أيام على إعلانه بدء عملية برية في لبنان، على بعض المواقع المحاذية مباشرة للحدود الدوليّة، رغم الحزام الناري الكثيف الذي حول المنطقة إلى أرض محروقة، مما أعاق التوغل الإسرائيلي وأفشل خططه للتقدم.
سياسة الأرض المحروقة
في المقابل، رصدت المصادر سلسلة من التطورات العسكرية الإسرائيلية الجديدة، إلى جانب اعتماد سياسة الأرض المحروقة والتهجير واستمرار القصف وعمليات الاغتيال، وكان أبرزها:
أولًا: استهداف إسرائيل لقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل)، وتحديدًا موقعها الرئيسي في الناقورة ومراكزها العسكرية الأخرى في محيطها وفي بلدة راميا، حيث سُجلت أربعة اعتداءات في غضون يومين فقط، أسفرت عن إصابة عدد من جنود اليونيفيل. وذلك في محاولة واضحة لإجبارهم على الانسحاب مسافة 5 كيلومترات من الحدود الجنوبية باتجاه الشمال، وفق ما أكّد عليه مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون، الذي صرح بأن "إسرائيل توصي بنقل مواقع اليونيفيل إلى شمال لبنان لتجنب تعرضها للخطر مع تصاعد القتال."
وأوضح المتحدث باسم اليونيفيل، أندريا تيننتي، إلى أن "اليونيفيل" رفضت الانسحاب مؤكدا أن "هناك قرار بالإجماع بالبقاء، لأنه من المهم أن يظل علم الأمم المتحدة يرفرف عالياً في جنوب لبنان، حيث يبلغ عدد القوة الأممية قرابة 10 آلاف جندي".
ويقول محللون سياسيون لـ"النشرة" إن إسرائيل لم تكتف بخرق القرار 1701، بل تجاوزت ذلك باستهداف قوات اليونيفيل مباشرة، حيث تُرسم سيناريوهات عديدة لهذا الاستهداف، من بينها إجبارها على الانسحاب شمالًا باتجاه نهر الليطاني وفرض منطقة عازلة والتفاوض عليها لاحقًا.
ويؤكد هؤلاء أن هذه السيناريوهات لا تعني حتمية تحقيقها، ذلك أن رسمها جاء بناءً على تقديرات بأن حزب الله قد ضعُف بعد استهداف كبار قادته ومسؤوليه، بينما تؤكد المواجهة العسكرية على أرض الميدان عكس هذا الامر، وذلك من خلال التصدي النوعي لأي تقدم إسرائيلي.
ويشيرون إلى أن هناك محاولة إسرائيلية، مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، لإعادة صياغة دور اليونيفيل، وذلك من خلال إصدار قرار جديد في مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، أو من خلال تعديل القرار القائم بطريقة تؤثر على مهامها وتحويلها إلى قوات متعددة الجنسيات، مما يعني أن مهامها ستتجاوز المراقبة لتشمل الحدود بين لبنان وإسرائيل، وربما الحدود السورية أيضًا.
ثانيًا: استهداف الجيش اللبناني، وخاصة في المواقع الأمامية وفي القرى والبلدات الحدودية، لتحقيق الهدف نفسه ومحاولة إجباره على التراجع وإعادة التموضع بعيدًا عن تواجده الحالي. حيث جرى قصف نقطة عسكرية لأحد مراكزه في كفرا، ما أدى إلى استشهاد جنديين وإصابة ثلاثة آخرين، ناهيك عن استشهاد عدد من الجنود وإصابة آخرين في مواقع متفرقة من الجنوب. وعن استهداف مخفر قوى الأمن الداخلي في بلدة علما الشعب، وهو خالٍ منذ أشهر عديدة.
إخلاء واغتيال
وبين التطورين، حرصت إسرائيل على مواصلة توسيع طلب إخلاء القرى والبلدات الجنوبية جنوب نهر الليطاني، بهدف التمهيد لفرض حزام أمني خالٍ من السكان (سياسة الأرض المحروقة) من جهة، وإرباك الجبهة الداخلية اللبنانيّة من خلال تفاقم أزمة النزوح من جهة أخرى.
كذلك، واصلت عملية استهداف فرق الإسعاف الصحّي وتجديد تهديدها للعاملين فيها تحت ذريعة أن مقاتلي حزب الله يستخدمونها. كما واصلت استهداف المناطق السكنية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية بشكل مكثف، وتوسيع نطاقه ليشمل مناطق جديدة تحت ذرائع كاذبة، كما جرى في النويري في قلب بيروت، والوردانية، وبرجا، والمعيصرة وغيرها، حيث ارتكبت عدة مجازر بحق المدنيين.