المسيح شبّه أتباعه بالملح، الذي يملّح الأرض، "أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ" (متى ٥: ٣). يتميّز الملح بذوبانه في الطعام، فيعطي مذاقًا أفضل، دون أن يلغي الطعام الأصلي. من هنا دور المسيحي هو التأثير الإيجابي بالآخرين ليصيروا في حياة أفضل في هذا الخليط المنوّع. بلدنا "مازة" لبنانيّة. جماله في تنوّع أطعمته. وهذا التنوّع هو طوائفه ومذاهبه ضمن طبق الدولة الواحدة الموحّدة.
المسيحيّ في هذه المائدة الشهيّة المنظر مدعوّ أن يذوب في حياة الغير، كما يفعل الملح في الطعام، لكن في اعتدال دون أن يفقدهم شخصيّاتهم ومواهبهم وسماتهم الخاصّة بهم. من هنا المسيحيّ الحقيقي هو من كان كالنّسيم الهادئ لا ريحَ عاصفة.
ليس عن عبث أن يدعو المسيح أتباعه ليكونوا ملح الأرض الذي عادةً يحمل اللون الأبيض. هذه دعوة ليتحلّوا بالنقاوة والطهارة. ولا ننسى أنّ الملح يُستخدم أيضًا في حفظ الأطعمة من الفساد. هكذا على المسيحي أن يحفظ نفسه ومَن حوله ويثبّتهم في الحياة مع الله ومع محيطهم.
المشكلة الحقيقية، هي اذا فسد الملح! "وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ" (متى ٥: ١٣). السؤال متى يفسد الملح؟ طبيعي إذا اختلط بمواد غريبة، أو دخلته الرطوبة، أو... من هذا المنطلق كلّ مسيحي مدعو الّا يخالط الأشرار، ويسقط في الخطايا والتلذّذ براحة الجسد، أو أن ينغمس في التعلّق بمحبّة المال والشهوات المختلفة والسلطة والكراسي. ألم يعلّمنا المسيح أنّ مملكته ليست من هذا العالم؟ فلماذا التعلّق بالمناصب وحبّ الرئاسة؟ إلّا اذا كانت للخدمة؟ ومتى فقد دوره يصبح ضارًا ومفسدًا للمحيطين به الذين يرونه قدوة، ويغدو معثرةً لهم.
المسيحي في لبنان خصوصًا، وهذا الشرق عمومًا، من أولى واجباته أن يبقى ملح الأرض "ونور العالم".
ندائي ونداء كثر من المواطنين إلى ضمير المسيحيين، أن يحافظوا على هذه الدعوة الإلهية. لبنان والمنطقة بحاجة إلى دور مسيحي مشرقيّ جامع وضامن وفاعل، فأي تفاهم وتقارب مسيحي نتيجته حفظ هذه الأرض وإنارة درب القيّمين عليها.
المنطقة دخلت مستنقع التغيير التاريخي والجغرافي، نحن عشيّة شرق أوسط مجهول، لبناننا في خطر! لا وقت للمكابرة والنكايات والنكد والتفرقة. إنه وقت الوفاق، والأمان، والوحدة، والخدمة، من أجل أن نبقى ويبقى سائر الأخوة في هذا الوطن، وقطع الطريق أمام كل المؤامرات والفتن.
أقولها بكلّ تواضع وإخلاص: لبنان، وهذا الشرق، بحاجة إلى الحضور المسيحي المشرقي التاريخي، الذي شاءه السيد المسيح عندما تنازل من عليائه وتجسّد في شرقنا الحبيب. فليعِ المسيحيّون هذه الحقيقة ويعملوا على تمتين أسسها وقواعدها بمحبة وانفتاح وتواضع، حتى لا يذهبوا إلى دينونة الله في السماء.