يعيش قطاع الاتصالات في لبنان منذ سنوات تحت ضغط الأزمات الاقتصادية والمالية التي تعصف بالبلاد. ومع تزايد التحديات والبيروقراطية المعيقة، تواجه هيئة أوجيرو، المشغلة لشبكة الاتصالات الوطنية، أزمة خطيرة تتمثل في نفاد الأموال وتوقف عمليات الصيانة والتشغيل، وقد أضيفت إليها مؤخّرًا الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة مع توسع العدوان على لبنان، ما يهدد بقطع الخدمة عن الملايين من اللبنانيين. في هذا السياق، جاءت تصريحات المدير العام لهيئة أوجيرو، عماد كريدية، لتسلط الضوء على المشاكل التي تعاني منها الهيئة والعقبات التي تقف في طريق عملها.
تغريدة أشعلت جدلا
في 13 تموز الماضي، وجه عماد كريدية، المدير العام لهيئة أوجيرو، تغريدة عبر منصة "إكس" دعا فيها رئاسة الحكومة ووزارتي المال والاتصالات للتدخل العاجل بعد تراكم الأعطال وتوقف الهيئة عن الإصلاحات نتيجة نفاد الأموال. وحذر كريدية في تغريدته من توقف تدريجي لأعمال الصيانة والتشغيل للشبكة الوطنية، متهمًا "البيروقراطية الصماء" بتهديد القطاعات الحيوية في لبنان، ومنها قطاع الاتصالات.
أزمة مستمرة منذ 2019
على إثر هذه التغريدة، اتصلت "النشرة" بكريدية أوضح خلال الاتصال أن الأزمة التي تواجه أوجيرو ليست جديدة، إذ تعود جذورها إلى العام 2019 حين ألغيَت الموازنات الملحقة بموجب قانون الموازنة، الأمر الذي قيّد الهيئة ماليًّا، وأدخل وزارة المالية طرفًا ثالثًا في التعاملات المالية للهيئة. وأشار كريدية يومها إلى أن أوجيرو أصبحت محاصرة بالبيروقراطية، حيث تحتاج أيّ عقود أو تحصيلات إلى موافقة كل من وزارة المال ووزارة الاتصالات وديوان المحاسبة.
نقص الأموال وتأثيره...
كشف كريدية يومها في حديثه، أنّ الهيئة لم تتلق حتى تلك اللحظة الأموال المقررة في موازنة 2024، رغم مرور أكثر من نصف العام. وأوضح أن أوجيرو بحاجة إلى 100 مليون دولار للقيام بأعمال الصيانة والتشغيل، إلا أن الوزارة المالية لم تحول هذه المبالغ حتى تلك اللحظة. وأشار إلى أن الهيئة لم تنجز أي أعمال صيانة رئيسية منذ العام 2019، ما يزيد من خطورة الوضع الحالي مع تراكم الأعطال.
مطلب الاستقلالية
خلال المقابلة، شدد كريدية على أن الحل الوحيد لتجنب انهيار قطاع الاتصالات يكمن في فصل ميزانية أوجيرو بشكل كامل عن البيروقراطية الحكومية. وأكد أن الهيئة تحتاج إلى استقلالية إدارية ومالية تحت سقف القانون، مع إخضاعها للرقابة لضمان الشفافية. ولفت إلى أن الوقت الذي تستغرقه الموافقات على العقود يتسبب في تأخير العمليات الحيوية للاتصالات، ما يؤثر سلبًا على فعالية القطاع.
العدوان الإسرائيلي عبء على أوجيرو
تزامنًا مع التصعيد العسكري بين إسرائيل وحزب الله، كان لـ"النشرة" لقاء آخر مع كريدية الذي لفت إلى ازدياد العبء على أوجيرو بسبب تزايد الأعطال، خاصة في المناطق التي تتعرض للعدوان. كما أشار كريدية إلى أن أكثر من 26 سنترالًا في الجنوب توقفت عن العمل نتيجة الأضرار في البنية التحتية أو نفاد الوقود. وأوضح أنّ الهيئة تواجه صعوبات في إجراء الصيانة في تلك المناطق بسبب عدم توفر الحماية الأمنية الكافية من الجيش اللبناني واليونيفيل للفرق الفنية.
هل ينهار قطاع الاتصالات؟
على الرغم من التحديات الهائلة، أكد كريدية أن خدمة الإنترنت ما زالت متوفرة بنسبة 90% في معظم المناطق اللبنانية، مشيرًا إلى أن احتمال انقطاع الخدمة بالكامل ضعيف، إلا في حال وقوع تدخل خارجي لعزل لبنان عن العالم. وأضاف أن وزارة الاتصالات اتخذت قرارًا بتعليق تحصيل الفواتير في المناطق المتضررة بسبب العدوان، داعيًا اللبنانيين للتفهم بأن البلاد تعيش حالة حرب تتطلب جهودًا مضاعفة.
تعيش أوجيرو اليوم حالة طوارئ حقيقية، تتطلب تحركًا سريعًا من الوزارات المعنية لحل الأزمات المالية التي تواجهها الهيئة، وضمان استمرار خدمات الاتصالات التي تعد شريانًا حيويًا للاقتصاد والمجتمع اللبناني، وأيّ توقف شامل للقطاع سيؤثر على كل جوانب الحياة في لبنان.