أدت الاعتداءات الإسرائيلية حتى اليوم إلى ارتقاء ما يزيد على الألفين وخمسمئة شهيد، وآلاف الجرحى حتى الساعة، والحبل على الجرار، ودمار المنازل كليا وجزئيا، عدا التعرض للمنشآت الصحية والاجتماعية ودور العبادة الاسلامية والمسيحية على حد سواء.

إسرائيل لم توفر أحدا، وتتصرف من دون وازع او رداع وتدوس بصلفها المعتاد شرعة الامم المتحدة، وقوانينها ومواثيقها وانظمتها غير عابئة بمجلس الأمن الدولي، وما يمكن أن يصدر عنه من قرارات. وكان للاعلام حصته من جرائم تلك الدولة العنصرية التي تدمن إلغاء الآخر ضمانا لتفوقها في هذه المنطقة من العالم بعدما زودها الغرب بعصا غليظة، هي عبارة عن مخزون هائل من الأسلحة الفتاكة.

لا أرغب الدخول في أسباب هذه الحرب ودوافعها، والغوص في التحليلات المبسطة والمعقدة، والوقوف على آراء هذا او ذاك. فقط أود أن اضيء على أمر يتناساه الكثيرون بفعل تراكم الاحداث وتواليها وسحب الدخان التي تحجب الرؤية الواضحة، وهو أن إسرائيل منذ زرعها كيانا غاصبا في قلب الدول العربية، وفي ارض فلسطين التي تضم كنيسة القيامة والمسجد الاقصى، والأرض التي ولد فيها السيد المسيح وعاش ومات ثم قام، والتي ورد ذكر أقصاها في القرآن الكريم بقوله: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى، لا تريد أن يبقى على ارضها فلسطينيا واحدا مسلما كان او مسيحيا، وهي تريد إقتلاع أبناء هذه الأرض وتهجيرهم قسرا بصورة جماعية لتكون دولة يهودية صرف لا وجود فيها لأي من اتباع الديانات الأخرى، ولو انهم الأقدم، والاحق بالارض.

لا يكفي إسرائيل انها هجرت ملايين يهيمون في الشتات وكان للبنان والاردن وسوريا ودول عربية أخرى السهم الأوفر منهم، عدا من استوطن الاميركيتين والعديد من دول أوروبا، وها هي اليوم تعمل على نقل مليون ونصف منهم إلى سيناء، وحتى الساعة لم تتمكن لأن مصر تقف لها بالمرصاد، ولكن إلى متى اذا ازدادت الضغوط على القاهرة وتعاظمت التحديات؟!. اما الضفة الغربية، فعلى الرغم من انشغال العالم عنها تشهد مجازر فظيعة مصحوبة بتضييق كبير على ناسها إلى أن يأتي يوم تنضج فيه الظروف لترحيلهم إلى الاردن الذي يكافح ويناضل لابعاد هذه الكأس المرة عنه، وايضا إلى متى وكيف، على الرغم من ثبات الملك عبدالله في موقفه الرافض وبذله الكثير من الجهد لابعاد مثل هذا الخيار القاتل؟!.

وهناك عرب ١٩٤٨ الذين لا تريدهم إسرائيل على الرغم من حصول الكثيرين منهم على جنسيتها، ووجود ممثلين لهم في الكنيست، وخدمتهم في الجيش وانخراطهم في وظائف حكومية، وسيأتي دورهم ويهجرون إلى لبنان ليزيدوا على مآسيه مأساة جديدة.واذا كانت تل أبيب تسعى من خلال الحرب إلى وأد القرار ١٧٠١ والوصول إلى ترتيبات تلائم مصالحها الدفاعية والاستراتيجية، كما تدعي، فلسبب لم يعد خافيا على احد، وهو تهجير هؤلاء في أجواء سياسية وميدانية لا يمكن عرقلتها وصدّها.

صحيح ان الحرب التي تخوضها إسرائيل بالشراكة الكاملة مع الولايات المتحدة الاميركية ترمي إلى تغيير المعادلات في الشرق الأوسط، وشل فاعلية محور الممانعة وقدراته على إفشال مخطط السيطرة الاحادية على العالم من بوابة الشرق الاوسط، ولاسيما البوابة اللبنانية عبر ضرب حزب الله واضعاف إمكانية المقاومة لديه، فإن في رأس اولوياتها: "دولة يهودية" خالصة من البحر إلى النهر. وهاجس " الترانسفير" يأكل من صحنها، وتسعى اليه باي ثمن. وأن حروبها لن تنتهي اذا لم يتحقق هذا الهدف، ولو طال الزمن. اما الذرائع فهي كثيرة وغب الطلب في اي وقت، واي تغافل عن هذه الحقيقة ليس في محله.

الأهم الا تنجح إسرائيل في خطّتها هذه التي لا تحتاج إلى أيّ دليل. فبمجرد أن ترفض حلّ الدولتين وضعت المعركة أمام المعادلة الآتية: إما نحن وإما هم. وهي معركة مفتوحة طالما هناك فلسطيني واحد داخل أرضه يرفض تركها، وطالما هناك فلسطيني خارج أرضه يناضل في سبيلها بكل الوسائل المتاحة. إنها الحرب المفتوحة... إنها الحرب المفتوحة غير المحددة بزمان ومكان.

*نقيب محرري الصحافة اللبنانيّة