سادت في الايام القليلة الماضية موجة من التفاؤل بإمكان حصول خرق دبلوماسي وسياسي على خط وقف اطلاق النار إن في لبنان او في غزة، قبل ان تعود مؤشرات التشاؤم الى الساحة وبقوة، وهو ما تبيّن من خلال الدعم العلني لاسرائيل وما يقوم به رئيس وزرائها بنيامين نتيناهو وخصوصاً في لبنان، والذي ظهر في تصريحات المسؤولين الاميركيين الداعمة بشكل مطلق لما يحصل فيه وفي غزة تحت شعار "حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها" مع الحرص على "مراعاة" اللبنانيين والعرب من خلال الطلب من اسرائيل التقليل من استهداف المدنيين وقتلهم. كما انه من بين هذه المؤشرات كان خروج نتنياهو من اي عقاب على استهدافه قوات الامم المتحدة الدولية "اليونيفيل" في الجنوب مرة واثنين وثلاثة حتى وصلت به الوقاحة الى اعتبارهم مثل "حزب الله" والطلب اليهم التراجع الى حدود الليطاني، فيما الاوروبيون يكتفون بالتنديد والشكوى، اضافة الى اعلان الادارة الاميركية موافقتها على ارسال نظام "ثاد" المتطور للدفاع الجوي مع طاقمه العسكري، تحضيراً لمواجهة اي رد ايراني على الرد الاسرائيلي المرتقب.
ازاء هذه المعطيات، من المنصف القول ان الولايات المتحدة الاميركية، قررت على ما يبدو، التمديد للمغامرات الدموية التي ينفذها نتنياهو، بعد ان كانت منذ بداية الحرب على غزة، تندد بتصرفاته وتعمل جاهدة لتفادي توسيع رقعة الحرب، وتقييد تحركاته في لبنان، الا ان الامر انقلب رأساً على عقب. ووفق مسار الامور، تأمل واشنطن ان يكون نتنياهو على قدر كلمته، فتكسب قدراً اكبر من النفوذ اذا ما تعرض "حزب الله" لنكسة تجعله يخفف شروطه للتسوية، وتؤدي بطبيعة الحال الى تخفيف نفوذه السياسي ايضاً في الداخل اللبناني. اما في حال لم يستطع ان يحقق ما قاله، فستعود الادارة الاميركية الى صراعها مع رئيس الوزراء الاسرائيلي، والضغط عليه ليقبل بالتسوية بعد ان ضاقت بها السبل ولم يعد بامكانها تسليفه اي وقت او دعم، تماماً كما حصل في العام 2006 حين كانت واشنطن تمنح اسرائيل وقتاً ثميناً للانتصار قبل ان تجد ان الرياح لم تجر وفق ما تشتهيه، فحان وقت الحل وكان القرار 1701.
يسأل الكثيرون عن المدة التي ستمنحها اميركا لنتنياهو لتحويل اقواله الى افعال، ويأتي الجواب دائماً ان لا احد يعرف تلك الساعة، وتشير التوقعات الى أنها من غير المحتمل ان تكون قبل جلاء صورة الانتخابات الرئاسية الاميركية التي ستجرى في الخامس من الشهر المقبل، ليبنى عندها على الشيء مقتضاه، فإما ان يصل المرشح الجمهوري دونالد ترامب ويحدد اولوياته ويشكل حكومته وقد يعطي المزيد من الوقت لنتنياهو لاكمال مغامراته، واما ان تصل المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس التي سيكون لصالحها ان تكون اولى انجازاتها الرئاسية العمل على تسوية الوضع في الشرق الاوسط وتخفيف قدر المشاكل التي يجب عليها ان تواجهها خلال فترتها الرئاسية، التي ستدخلها الى التاريخ كونها اول امرأة تتولى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة.
وبين هذا وذاك، يبقى للواقع الميداني حصته الوازنة، ففي حال تم تحقيق تقدم اسرائيلي على الجبهة الجنوبية فستكون الامور اصعب بكثير على لبنان بشكل عام و"حزب الله" بشكل خاص، وفي حال بقي الاسرائيليون عاجزون عن بسط سيطرتهم على جزء من الاراضي الجنوبيّة، فمن شأن ذلك ان يعجّل في التسوية السياسية وفي ارغام نتنياهو على النزول من عليائه والتعاطي بواقعية اكبر مع الاحداث. وفي انتظار ما ستحمله الايام المقبلة، يبقى الالم على الخسائر البشريّة الفادحة في لبنان وغزة، وعلى الدمار الكبير الذي سيكون من الصعب تعويضه بالسرعة اللازمة في ظلّ استمرار الازمات المالية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان.