بعد إغتيال أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، بات من الواضح أن نائبه الشيخ نعيم قاسم هو من يتولى الإعلان، بإسم الحزب، عن الإطار السياسي لواقع المعركة في الميدان العسكري، الأمر الذي كان يرتقي تدريجياً، ما بين الخطاب الأول والثالث، من التأكيد على الإستمرار بالمواجهة، في الأول، التي كانت تحتاج إلى ترجمة عملية على أرض الواقع بعد الضربات التي كان قد تعرض لها، وصولاً إلى رسم معادلة وقف إطلاق النار، في الثالث، من خلال وضع الشروط، أو على الأقل تحديد تلك التي يوافق عليه الحزب.
إنطلاقاً من ذلك، ينبغي قراءة الرسائل التي تضمنها خطاب الشيخ قاسم الأخير، الذي جاء بعد تطورات في العمليّات العسكرية التي ينفذها الحزب، فرضت على المسؤولين المحليين الإسرائيليين العودة عن المواقف التي كانوا يطلقونها في الأسابيع الماضية، لناحية إدعاء القضاء على قدرات الحزب، من أجل التعامل بواقعية أكبر مع الحقائق، التي تؤكد أن الحزب قادر، على الإستمرار في المعركة لأشهر طويلة، بما يعنيه ذلك من تكبيد تل أبيب خسائر كبيرة.
في هذا السياق، تعمّد نائب أمين عام "حزب الله" الحديث عن معادلة جديدة، تم أخذ القرار بها منذ نحو أسبوع، هي "إيلام العدو"، مشيراً إلى حقّ الحزب في إستهداف أيّ نقطة داخل إسرائيل طالما أن جيشها أقدم على إستهداف كل لبنان، بالرغم من إشارته إلى التركيز على استهداف الجيش الإسرائيلي (الأمر الذي سيتخلّى عنه في مرحلة لاحقة)، قبل أن يؤكد أن الحل هو بوقف إطلاق النار، أما إذا كانت تل أبيب لا تريد فالمواجهة ستستمر، مشيراً إلى أنه بعد وقف إطلاق النار يعود المستوطنون إلى الشمال وترسم الخطوات الأخرى.
في قراءة لهذا الخطاب، تؤكّد مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أنّ الحزب ما كان ليذهب إلى هذه المعادلات الجديدة، فيما لو لم ينجح عناصره في تحقيق نتائج هامة في الميدان العسكري، خصوصاً على مستوى منع الجيش الإسرائيلي من تحقيق أيّ تقدم بري يمكن البناء عليه، حيث تلفت إلى أنّ تل أبيب، فيما لو نجح جيشها براً، كان من الممكن أن توسع دائرة الشروط التي تريد فرضها على الجانب اللبناني، للذهاب إلى وقف إطلاق النار، عسكرياً وسياساً.
وتلفت هذه المصادر إلى أن هذه المعادلات، على عكس ما ظن البعض، تخدم الموقف الرسمي اللبناني، الذي يشدّد على ضرورة وقف إطلاق النار قبل أي أمر آخر، نظراً إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لن يتراجع قبل أن يشعر بأنّ كلفة الإستمرار في العدوان ستكون كبيرة، وبالتالي ترى أن ما تحدّث عنه الشيخ قاسم يدعم، بشكل أو بآخر، الموقف الرسمي، الذي يعبر عنه كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بالإستناد إلى الوقائع الميدانية.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، الكرة اليوم في الملعب الإسرائيلي، حيث سيكون على تل أبيب أن تقرّر المسار المقبل، سواء بالنسبة إلى فتح أبواب الذهاب إلى تسوية توقف العدوان، أو الإستمرار في المواجهة التي يبدو أنّها لم تعد تملك من أهداف عسكريّة فيها، ما يدفعها إلى الذهاب إلى الأهداف المدنيّة، لا سيما أنّ الوقائع أكّدت أنها لن تكون قادرة على تحقيق أهداف الحرب المعلنة، أيّ القضاء على قدرات الحزب وإعادة سكان المستوطنات الشمالية إلى منازلهم، عسكرياً.
في المحصّلة، لا يمكن توقّع أن تبادر إسرائيل، في ظلّ سيطرة أحزاب اليمين المتطرف على حكومتها، إلى الموافقة سريعاً على الإنتقال إلى مرحلة التفاوض الدبلوماسي، بل على العكس هي قد تكابر عبر الذهاب إلى المزيد من التصعيد العسكري، لكنها في حال إستمرار الرسائل القاسية من قبل الحزب لن تتأخر في هذه الموافقة، التي من المرجّح أن تأتي بقرار أميركي واضح في هذا المجال.