بعد أن كان الجيش الإسرائيلي قد بادر، في الأيام الماضية، إلى توسيع دائرة الغارات الجوية التي تستهدف المدنيين، عمد، أمس، إلى سلوك مختلف، يقوم على توسيع دائرة الإنذارات، التي يوجهها إلى اللبنانيين قبل القيام بقصف مبانٍ سكنية، نحو البقاع والجنوب، بعد أن كانت تقتصر، بشكل أساسي، على الغارات التي تنفذ في الضاحية الجنوبية.
هذا السلوك المستجد، لا يمكن أن يفصل عن الموقف الذي كان قد أدلى به، قبل ساعات، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، الذي أشار إلى أن الولايات المتحدة لا تريد أن ترى المباني المدنية مدمرة، والذي جاء بعد ساعات من الغارات التي نفذت في الضاحية الجنوبية، بعد أن كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قد ألمح إلى ضمانة أميركية بخفض التصعيد، في الضاحية الجنوبية لبيروت.
من حيث المبدأ، هذه الخطوة الإسرائيلية كانت بمثابة رسالة إلى الولايات المتحدة، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية متابعة لـ"النشرة"، تدّعي من خلالها تل أبيب أنها تنذر المدنيين قبل إستهداف المباني بالغارات الجوية، لا سيما أنها لا تريد أن تتعرض لضغوط إضافية في هذا المجال، بعد أن وجدت نفسها أمام أزمة مع معظم الدول الأوروبيّة، بسبب الإعتداءات التي تطال قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان "اليونيفيل".
بالنسبة إلى هذه المصادر، ما تقدم لا يعني أن إسرائيل لا تستمر في التركيز على الأهداف المدنيّة، في ظلّ فشل جيشها عن تحقيق أيّ تقدم جدّي على مستوى المواجهات البرية، حيث يتعرض كل يوم إلى المزيد من الخسائر، في المواجهات التي يخوضها مع عناصر "حزب الله" في القرى والبلدات الحدودية، بل على العكس من ذلك هي من الممكن، تحت ستار التحذيرات تلك، أن تعمد إلى توسيع دائرة التدمير، بهدف الضغط على الحزب.
من حيث المبدأ، الأيام المقبلة ستكشف عما إذا كانت تل أبيب ستستمر في هذا السلوك بشكل أكبر، لا سيما أنه يترافق مع موجة واسعة من الشائعات، التي تطال النارحين ومراكز الإيواء، من ضمن خطة شاملة تتضمن السعي إلى إحداث فتنة داخلية، تشارك فيها، بشكل مباشر وغير مباشر، العديد من الجهات، التي ترى أن لها مصلحة في إضعاف "حزب الله".
في مطلق الأحوال، ترى المصادر السياسية المتابعة أن ما ينبغي التوقف عنده، بالنسبة إلى سياسة الإنذارات، هو قدرة الولايات المتحدة، على الأقل، على ضبط السلوك الإسرائيلي، ما يعني أيضاً قدرتها على الذهاب بعيداً في هذا المجال، أي الضغط الجدي لوقف إطلاق النار، خصوصاً أنها الداعم الأساسي لها في عدوانها، عسكرياً ومالياً ودبلوماسياً، كما كان الحال عليه، على مدى الأشهر الماضية، في العدوان على قطاع غزة.
هنا، تطرح هذه المصادر الكثير من علامات الإستفهام، حول ما إذا كانت هذه الخطوة تعتبر الأولى على طريق وقف إطلاق النار، نظراً إلى أن الأمر يتوقف على ما يمكن أن تقوم به الإدارة الأميركية من ضعوط على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، خصوصاً أن المطلوب الوصول إلى هذه المرحلة، لا الإكتفاء بتوجيه الإنذارات قبل إستهداف المباني السكنية، لا سيما أن هذا الأمر لن يغير من المعادلة العسكرية.
في المحصّلة، لا يزال مصير هذا العدوان، حتى الآن، يتوقف على نتائج المواجهات الميدانية على الحدود، لكن الأكيد أن الولايات المتحدة قادرة في أيّ لحظة على وقف العدوان، في حال ذهبت إلى فرض ضغوط جدية على تل أبيب، بدل الإستمرار في رعاية ما تقوم به من إعتداءات، بالإضافة إلى تقديم مختلف أنواع الدعم والحماية لها.