يمثل إغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة "حماس" يحيى السنوار، الذي وُصِف بأنه "مهندس" عملية "طوفان الأقص" التي نفذتها الحركة في السابع من تشرين الأول من العام الماضي، نقطة تحوّل على مستوى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجنوب لبنان، الأمر الذي ترجم، في الساعات الماضية، بالحديث عن إمكانيّة العودة إلى المفاوضات الهادفة إلى تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، من قبل العديد من الجهات الدولية الفاعلة.
من حيث المبدأ، كل الأمور متوقعة على القرار الإسرائيلي، حيث سيكون على رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو أخذ القرار، بالنسبة إلى الخطوة التالية، لا سيما بعد أن حقق "النجاحات" التي من الممكن أن تكرّسه "زعيماً" في تل أبيب لسنوات طويلة، بعد أن كان الحديث، قبل أسابيع قليلة، عن أن الرجل يرفض الذهاب إلى أيّ تسوية، خوفاً من أن يكون الثمن نهاية حياته السياسية أو الذهاب إلى السجن.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة إلى أن السلوك الإسرائيلي، في الأشهر الماضية، يوحي بأن نتانياهو لن يذهب إلى أيّ تسوية، في الوقت الراهن، خصوصاً أنه يعيش نشوة "الإنتصارات" التي حققها، لا سيما أنه يتعرض لضغوط داخلية تقوم على أساس أن المعركة لم تنته، بل لا يزال هناك مجموعة من المخاطر التي على تل أبيب التعامل معها، من "حزب الله" إلى حركة "أنصار الله" في اليمن وصولاً إلى إيران نفسها.
في مقابل هذه الضغوط، التي مصدرها الأساسي الأحزاب اليمينية المتطرفة، توضح المصادر نفسها أن هناك في الداخل الإسرائيلي من يعتبر أن لدى نتانياهو فرصة "ذهبية"، للذهاب إلى تسوية تكون شروطها لصالح تل أبيب، سواء كان ذلك في غزة أو لبنان، على إعتبار أن المزيد من التصعيد لن يكون في صالحها في نهاية المطاف، بل على العكس سيجلب لها المزيد من التحديات الأمنية والعسكرية على أكثر من جبهة.
هنا، قد يكون من الضروري السؤال عما إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، يملك وحده القدرة على الإختيار بين المسارين المطروحين، لا سيما أن الفترة الماضية أثبتت أن العديد من الخطوات، التي بادر إليها، ما كان من الممكن أن يقدم عليها من دون توفر الغطاء الأميركي، وبالتالي قد يكون موقف واشنطن، في المرحلة الحالية، هو الأهم.
في هذا الإطار، تؤكد المصادر السياسية المتابعة أن الولايات المتحدة، في الأيام التي تلت تصعيد العدوان على لبنان، كانت تعمل بين مسارين: الأول هو الإستفادة من أي "نجاح" تحققه إسرائيل، في إطار العمل على إضعاف "حزب الله"، خصوصاً بعد أن نجحت في إغتيال أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله، أما الثاني فهو تجنب أي تصعيد مباشر مع إيران، خوفاً من التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك، طالما أن "حزب الله" لا يزال يثبت قدرته على الصمود في المواجهات البرية.
وتوضح المصادر نفسها أن المسارين غير منفصلين، لأنّ واشنطن كانت، فيما لو نجح الجيش الإسرائيلي في التقدم برياً خلال المواجهات مع "حزب الله"، لن تتأخر في تقديم الدعم اللازم له، لأنه يحقق الهدف الإستراتيجي الأكبر، أي السعي إلى إضعاف طهران من ضمن مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي لا يزال حاضراً، وهو ما عبرت عنه بإعلان دعمها عمليات "محدودة" داخل الأراضي اللبنانية، لكن في حال عجزه عن ذلك ستعود إلى طرح التفاوض، الذي من المؤكد أنه سيكون بشروط عالية السقف.
في المحصلة، تشدد هذه المصادر على أن كل ما طرح، حتى الآن، على الجانب اللبناني، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لم يكن قد وصل إلى مرحلة التفاوض الجدي، حيث تشير إلى أن الأمر يتوقف على ما ستقرره واشنطن، بالنسبة إلى المرحلة التي تلي إغتيال السنوار، لكنها تلفت إلى أن إدارة جو بايدن قد يكون من مصلحتها، بحال إستمرار العجز الإسرائيلي برياً، السعي إلى إبرام تسوية قبل نهاية ولايتها.