الى "الشَعبِ السالِكِ في الظُلمَةِ"، مِن "أرضِ زَبولونَ وَنَفتالي... مِن طَريقِ البَحرِ الى عِبرِ الأُردُنَّ، الى اِلجَليلِ مَوطِنِ الأُمَمِ" (أشِعيا 9/1)، التابِعَةِ كُلُّها لِمَملَكَةِ صورَ، تَنَبَّأ أشِعيا أعظَمُ أنبياءِ العَهدِ القَديمِ، بِإسمِ مَن أرسَلَهُ. المَولودُ العامَ 765 قَبلَ الميلادِ، تَنَبَّأ في عُهودِ مُلوكِ يَهوَّذا: يوتامُ (740-736) وآحازُ (736-716) وَحِزقِيَّا (716-687)، أولَئِكَ وَسابِقِيهِمِ وَلَواحِقِهِمِ ألخانوا عَهدَ الرَبِّ وَتَغاضوا عَنِ العُنفِ والظُلمِ وَسَفكِ الدِماءِ.

الى "المُقيمينَ في بُقعَةِ الظَلامِ"، تَنَبَّأ أنَّ "النورَ سَيُشرِقُ عَلَيهِمِ"، وإذ ذاكَ سَ"يَفرَحونَ أمامَكَ كالفَرَحِ في الحَصادِ"، وَسَيَتَهَلَّلونَ: "الجُمَّيزُ قُطِعَ فَسَنُعتاضُ عَنهُ بالأَرزِ" (أِشِعيا 9/2. 10).

مِنَ الضيقِ الغامِرِ تِلكَ الأرضَ، مِن سَنحاريبَ الأشورِيِّ المُدَمِّرِ الى الدِمَشقيِّينَ المُتَحالِفينَ والأفرايميِّينَ العِبرانِيِّينَ وَكورُشَ مَلِكِ فارِسَ... وَنُظَرائِهِمِ، سَيَنبَعِثُ مَلَكوتُ النورِ. وَسَيَكونُ شُمولِيَّاً.

هي نُبؤَةٌ رافَقَت مَملَكَةَ يَهوَّذا قُرابَةَ ثَلاثِ مِئَةِ سَنَةٍ، وَقَرأها العَهدُ الجَديدُ فَرأى فيها الآباءُ "الإنجيلَ الخامِسَ".

هي نُبؤَةٌ أعلَت آلامَ "المُتألِّمِ، عَبدِ الرَبِّ": "طُعِنَ لِأجلِ مَعاصينا، وَسُحِقَ لِأجلِ آثامِنا. نَزِلَ بِهِ العِقابُ مِن أجلِ سَلامِنا وَبِجِراحِهِ شُفينا." (أشِعيا 53/5).

وَمَن هو ذاكَ المُتألِّمُ حامِلُ ظُلمِ الظالِمينَ، لِسَلامِ العالَمِ؟ الجُغرافيا الأشِعيائِيَّةِ تُحَدِّدُهُ: لبنانُ.

وَمَن هو شِفاءُ شُعوبِ العالَمِ؟ اللاهوتُ الأشِعيائِيُّ يُحَدِّدُهُ: لبنانُ.

هو لبنانُ، الجِراحُ-الدَينونَةُ-الخَلاصُ. قوَّةً وَفِعلاً. لِمَ؟ لِأنَّهُ الكَمالُ. وجودُهُ وجوبُ كَمالِيَّتِهِ. إن لَم يَنوَجِد، يَغدو العالَمُ بِشُعوبِهِ مُفتَقِراً لِوجودٍ يوجِدُهُ لا في الَّلامُتَناهيَ فَحَسبَ، بَل في ضَرورَةِ التَساويَ بالحَقِّ. هَكَذا هو ثابِتٌ أشِعيائِيَّاً في كُلِّ ماهِيَّةٍ، وواجِبٌ بالوجودِ في كُلِّ إقرارِ وجودٍ. لَو فَقَدَ جَوهَرَ وجودِهِ، لَإنتَفى وجودُ الجَوهَرِ أينَما كانَ، وَلَأصبَحَ خُلوُّهُ مِنَ الوجودِ دَفناً لِخاصِيَّةِ الجَوهَرِ. مِنهُ، هذا الُلبنانُ، لِفِعلِ الجَوهَرِ أن يَنوَجِدَ، وَلِفِعلِ الوجودِ أن يَتَجَوهَرَ.

مَسيحانِيَّةُ

كَيفَ ذَلِكَ؟ أفي نِسبَتِهِ الى ذاتِ الأُلوهَةِ؟ أفي مُضاعَفَتِها لِكَيما تَكتَسِبُ الكَمالاتُ المَوجودَةُ في الأُلوهَةِ قَدرَها الوجودِيَّ؟

ها أشِعيا يؤَكِّدُ إيجاباً: "ألَيسَ عَمَّا قَليلٍ يَتَحَوَّلُ لبنانُ جَنَّةً والجَنَّةُ تُحسَبُ غاباً؟ وَفي ذَلِكَ اليَومِ يَسمَعُ الصُمُّ أقوالَ الكِتابِ وَتُبصِرُ عُيونُ العُميانِ بَعدَ الدَيجورِ والظَلامِ. (...). لِأنَّ الظالِمَ إنقَرَضَ والساخِرَ فَنِيَ وآستؤصِلَ جَميعُ الساهِرينَ لِأجلِ الإثمِ. الذينَ يُجَرِّمونَ الإنسانَ بِسَبَبِ كَلِمَةٍ، وَيَنصُبونَ الفَخَّ لِمَن يَحكُمُ عِندَ البابِ، وَيَستَميلونَ البارَّ بِأباطيلِهِمِ." (أشِعيا 29/17-21).

ها أشِعيا يؤَكِّدُ شُمولِيَّاً: "القَصرُ يهُجَرُ والمَدينَةُ الصاخِبَةُ تُخلى (...) إلى أن يُفاضَ... الروحُ مِنَ العَلاءِ فَتَصيرُ البَرِيَّةُ جَنَّةً وَتُحسَبُ الجَنَّةُ غاباً. وَيَسكُنُ الحَقُّ في البَرِيَّةِ وَيَستَمِرُّ البِرُّ في الجَنَّةِ. وَيَكونُ عَمَلَ البِرِّ سَلاماً وَفِعلُ البِرِّ راحَةً وَطُمأنينَةً لِلأبَدِ." (أشِعيا 32/14-17).

لبنانُ أشِعيا دَليلٌ: هو مَسيحانِيَّةُ العَدلِ بِكَمالِ السَلامِ في ذاتِهِ، وَإكتِمالِهِ في العالَمِ بِأسرِهِ. غَيرُ مُنفَصِلٍ عَنِ الخَلقِ في كُلِّ هُنَيهَةِ وجودٍ وَقُدرَةِ جَوهَرٍ.

أهوَ إدراكُ حِفظِ الخَلقِ، في مَوجودِ الأُلوهَةِ وَإرتِقاءِ تَجَوهُرِها؟ ها السَلامُ مِن ماهِيَّتِهِ: "جَبَلُ بَيتِ الرَبِّ يُوَطَّدُ في رأسِ الجِبالِ. (...). وَإلَيهِ تَجري جَميعُ الأُمَمِ. (...). وَيَحكُمُ بَينَ الأُمَمِ وَيَقضي لِلشُعوبِ الكَثيرَةِ فَيَضرِبونَ سُيوفَهُم سِكَكاً وَرِماحَهُم مَناجِلَ، فَلا تَرفَعُ أُمَّةٌ على أُمَّةٍ سَيفاً وَلا يَتَعَلَّمونَ الحَربَ بَعدَ ذَلِكَ." (أشِعيا 2/2-4).

لبنانُ أشِعيا: تَحقيقُ فِردَوسِ العالَمِ بالتَحريرِ مِن مؤامَراتِ الطُغاةِ وَأهوالِهِمِ، وَمِنهُ إكتِمالُهُ في مَوجودٍ جَوهَرِيٍّ: الأُلوهَةُ!