اكثر من سنة مرّت على المواجهات العسكرية العنيفة بين الاسرائيليين من جهة، والفلسطينيين في غزة وحزب الله، من جهة ثانية. الخسائر البشرية فاقت كل التوقعات وتخطت عشرات الآلاف، اعداد الجرحى مخيفة، حصيلة الدمار لا توصف، الخوف من اندلاع الحرب الشاملة وتوسعها لتضم دولاً اخرى بات اقرب من اي وقت مضى... كل ذلك يؤشر الى ان الحل الدبلوماسي يبتعد شيئاً فشيئاً وان الاسس التي يجب ان يبنى عليها، لا تزال غامضة. ولكن، على الرغم من كل شيء، ومع الاعتراف بالصعوبة الكبيرة للوصول الى تسوية او ارضية مشتركة للتلاقي حول تفاهمات معيّنة، الا ان الوصول الى نقاط يمكن التفاهم عليها ليس مستحيلاً، فكيف السبيل لاقناع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ان يخفف جنونه ويضع غروره جانباً، ولاقناع حزب الله ان يكتفي بما قام به حتى الآن، لفتح باب وقف العمليات الحربية وبدء الكلام الدبلوماسي؟.
يعوّل الكثيرون على الزيارة التي سيقوم بها الموفد الرئاسي الاميركي الى المنطقة آموس هوكشتاين، معتبرين انها تأتي هذه المرّة بزخم اكبر للدفع نحو وقف اطلاق النار، ويرى هؤلاء ان الاسس التي سينطلق منها المسؤول الاميركي لاقناع الطرفين بالانتقال الى الجبهة الدبلوماسية، تقوم على مبدأ أن أي اتفاق او تسوية تحتاج الى كسب شيء ما يمكن الاضاءة عليه.
-بالنسبة الى نتنياهو: من المرجح ان يعمل هوكشتاين على تجسيد فكرة تضغط باتجاهها واشنطن ودول الغرب، وتقوم على انه يجب على رئيس الوزراء الاسرائيلي ان يكون اكثر من ممنون على ما حصل عليه خلال هذه السنة، وان يعمل على تفادي ضياع ما حقّقه لانه سيؤدّي الى تراجعه على الصعد كافة. وباعتراف الجميع، ليس من السهل على الاسرائيليين ان ينجحوا في استهداف قادة كل من "حماس" وحزب الله، وما قاموا به في هذا الاطار، ويجدر التوقف عنده وعند معانيه، ومن شأنه ان يعطي نتنياهو كل ما يلزمه ليحافظ على صورته الجديدة والرصيد الذي تركه عند الاسرئيليين والذي لم يسبقه احد اليه. فاغتيال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وكل القادة الاساسيين في الحزب، ومن تردد بقوة انّه خليفته (هاشم صفي الدين)، ليس بالامر السهل ولا يمكن الاستخفاف به، ناهيك عن اغتيال المفاتيح القيادية الاساسية في حركة "حماس" على غرار اسماعيل هنية ويحيى السنوار. واذا ما تم ابراز هذا الامر، وخطوة الافراج عن الاسرى لدى "حماس"، مع بعض المكاسب السياسية الرئيسية، فسيكون نتنياهو اكثر قرباً من الموافقة على التسوية، وبالاخص اذا ما تم الاخذ في الاعتبار ان مواجهاته الميدانية لم تكن على قدر التوقعات التي وضعها والتي نقلها الى المسؤولين الاميركيين والغربيين، وانه كلما خسر في الميدان، فقد الكثير من رصيده الذي عمل على تجميعه منذ عام حتى اليوم.
-بالنسبة الى حزب الله: يمكن التركيز على ان الحزب نجح حيث لم يعتقد العديد من المحللين والمتابعين وحتى الاسرائيليين، انه سينجح. فعلى الرغم من فقدانه كل اركان قيادته تقريباً، لا يزال الحزب وكأنه في اليوم الاول من المعركة. فقد استعاد تنظيم صفوفه بسرعة قياسية، وارسل اكثر من رسالة الى من يعنيهم الامر ان هيكليته لا تزال سليمة، وقادرة ان تصمد لفترة غير قصيرة. كما انه على الارض، نجح في الاختبار الاصعب، واثبت انه قادر على مقارعة الجيش الاسرائيلي وجرّه الى حرب استنزاف لا تخدم الغازي. ولكن، لا يمكن لاحد ان ينكر ان الحزب تعرض لضربات قوية جداً، اضعفت جسمه الى حدّ ما، من دون ان تقضي عليه، و"انجاز" منع الاسرائيلي من الانتصار الميداني، لا يخفي الجراح التي اصيب بها حزب الله.
من هنا، يبدو ان التعويل على اخافة نتنياهو من فقدان ما كسبه طوال الفترة الماضية، ودفع الحزب نحو القبول بتضميد جراحه والتركيز على ما حققه في الميدان، سيكونان في قائمة المحاولات لاقناع الطرفين بالدخول في معركة من نوع آخر، اي معركة دبلوماسية صعبة يسعى كل منهما الى كسب ما يمكنه فيها، اكان بالقرار 1701 بصيغته التي كانت مطبّقة او ادخال بعض الامور الصغيرة عليه، او بقرار دولي ثان هو "1701+" يتم الاتفاق على ما سيتضمنه من امور يمكن وضعها في خانة المكاسب لاي من الطرفين.
المفاوضات صعبة، والصول الى تسوية صعب ايضاً، ولكن في ظل التطورات المتسارعة، لم يعد من مكان للمستحيل، ويمكن ترقّب حصول خرق دبلوماسي ما على الجبهتين الغزاوية واللبنانية...