اثار التحرك الاميركي المفاجئ، ان عبر المبعوث الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين، او عبر تحرك وزير الخارجية انطوني بلينكن، نوعاً من التفاؤل بأنّ واشنطن حزمت امرها وقرّرت العمل بسرعة على ايجاد الحلول واعادة الاستقرار الى المنطقة. ولكن، سرعان ما تبدّدت غيوم القنبلة التفاؤلية، وعاد الواقع ليطلّ برأسه من جديد، ويقول بشكل صريح انّ الحلّ لا يزال بعيداً عن متناول اليد. هذا الامر ليس مبنياً على الشروط الاسرائيلية "التعجيزيّة"، ولا على المطالب اللبنانيّة القديمة التي يجب "تليينها" بعض الشيء نظراً الى الظروف الراهنة، بل على مسألة بديهيّة ومنطقيّة مفادها انّ ما عجز عنه الرئيس الاميركي الحالي جو بايدن ونائبته المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس خلال اكثر من عام، لن يحققاه في مهلة لا تتعدّى الايام... أيّ بمعنى آخر، ان اقصى ما يمكن التفاؤل به في التحرك الاميركي الاخير، هو التحضير لايجاد ارضيّة مشتركة يمكن من خلالها التوصّل الى قواسم مشتركة تسمح بالاعلان عن تسوية او اتفاق بعد انقشاع ضباب الانتخابات الاميركية ووضع ادارة جديدة تتولى مراحل التنفيذ، مع الاخذ في الاعتبار اجراء تغييرات اكبر في حال تولّي الحزب الجمهوري مقاليد الحكم.
التفاؤل اذاً اخذ اكثر من حقّه، خصوصاً بعد الموقف الذي اعلنه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بالامس قبيل لقائه مع بلينكن في تل ابيب، حيث جدّد مواقفه وغمز من قناة "من ضغط عليه في الداخل والخارج" واصفاً اياهم بأنهم لم يراعوا مصلحة اسرائيل، ما يعني بكل وضوح انّ الرجل لا يزال يرى نفسه ممسكاً بكل الاوراق، على الرغم من استنجاده بالاميركيين تحديداً وبنظام دفاعهم الجوي "ثاد" تحسباً لهجوم ايراني جديد. من الطبيعي الا ينتهي عمل هوكشتاين وبلينكن في الايام القليلة المقبلة، وهو ما اوحت به وسائل الاعلام الاميركيّة التي كشفت عن طلب المرشّحة لرئاسة الولايات المتّحدة الاميركية كمالا هاريس استمرار هوكشتاين في مهامه خلال الاشهر الثلاثة المقبلة، تمهيداً لاكمال عملهم على تحضير المسودة النهائية للتسوية.
وعلى الخطّ اللبناني، كان المسؤول الاعلامي في حزب الله محمد عفيف، يجدّد التأكيد على ان لا مفاوضات تحت النار، فيما كان موقف لافت نقل على لسان النائب محمد رعد مفاده انّ على المستعجلين للتفاوض والتخلّي عن الحزب انتظار ما سيقوله الميدان لان الامور تتغيّر بسرعة، وهذا الامر اعتبره الكثيرون بمثابة رسالة مباشرة الى كل من بدأ "ينعي" الحزب ويحضّر لمرحلة ما بعده، في حين انه لا يمكن بأي شكل من الاشكال ان ينكر احد تأثير حزب الله على الحياة السياسية اللبنانية، حتى ولو حصل ما تروّج له اسرائيل من القضاء عليه عسكرياً.
اذاً، لا نزال في مرحلة "تمرير الوقت" مع فترة السماح الاميركية التي سيخرقها فقط مؤتمر الدعم للبنان الذي تنظمه فرنسا يوم الخميس المقبل، والذي لن يغيّر شيئاً على الارض، انما سيكون حقنة مهدئ معنوية للبنانيين في انتظار تبلور الوضع، فيما اصبح من المسلّم به ان نتنياهو باق في سدة القرار الاسرائيلي الى ما بعد الانتخابات الاميركية، اي ان الكلام حول ايّ صفقة او تسوية او اتفاق سيكون معه من دون ادنى شك.
صحيح انه لا يجب ان نغرق بالتفاؤل، ولكنها ايضاً ليست دعوة للتشاؤم، انما للتعاطي مع الامور بموضوعية، فالمعارك لا تزال مندلعة في الجنوب ولم تحسم بعد، والتدمير الاسرائيلي الممنهج لقرى وبلدات الجنوب والضاحية لم يتغيّر، و"انضباط" حزب الله بقي على حاله على الرغم من كل ما تعرّض له... وحدها الايام المقبلة ستكون لها الكلمة الفصل، ولا شك ان الشروط والشروط المضادة لن تبقى على حالها، وان التراجع عنها ولو بشكل نسبي، سيعزز فرص الوصول الى حلّ دبلوماسي يريده الجميع انما يكابرون في الاعتراف بالحاجة اليه.