ما بين زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين إلى بيروت، وزيارة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن إلى تل أبيب، بات من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، لا يزال يراهن على النتائج التي من الممكن أن يحققها، من خلال التوسع في العمليات العسكرية على الجبهة اللبنانية، على قاعدة أن لديه فرصة لإلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر بـ"حزب الله"، وبالتالي دفعه إلى تقديم تنازلات كبيرة.
هذا الرهان من قبل نتانياهو، يعود إلى عدّة أمور لا يمكن تجاهل أيّ منها، أبرزها أن الرجل يشعر بنشوة "الإنتصارات" التي حققها على المستوى الأمني، أيّ عمليات الإغتيال التي طالت عدداً كبيراً من قيادات "حزب الله"، بالإضافة إلى رغبته في الإستفادة من هامش الوقت الذي يوفره الإنشغال الأميركي بالإنتخابات الرئاسية، إلى جانب القلق من تداعيات أي تراجع على إئتلافه الحكومي، بسبب إمكانية إنسحاب وزراء اليمين المتطرف.
إنطلاقاً من ذلك، تُفسّر أوساط متابعة، عبر "النشرة"، عدم تماهي رئيس الوزراء الإسرائيلي مع المطالب الأميركية، حيث وجهت الدعوات له لإستغلال الفرصة، لا سيما بعد إغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" يحيى السنوار، والذهاب إلى إتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بالتزامن مع العمل على حل في لبنان، على قاعدة أنه من الممكن الوصول إلى مخارج، تؤمن تطبيق القرار 1701، بشكل مختلف عما كان عليه الوضع بعد العام 2006.
وتلفت هذه الأوساط إلى أنّ الرد الإسرائيلي، لا سيما بعد زيارة هوكشتاين إلى بيروت، كان بالذهاب إلى توسيع دائرة الغارات الجوية نحو مناطق جديدة، بهدف الضغط سياسياً، خصوصاً على رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لتقديم تنازلات، إلى جانب مضاعفة أزمة النزوح الضاغطة وكلفة إعادة الأعمار، لكنها تشدد على أن نتانياهو يدرك، أكثر من غيره، أن كل ما يقوم به لا يسمح له بتحقيق أيّ أمر، يمكن له الإستفادة منه على المستوى الدبلوماسي، لا سيما أن أحداً في لبنان لا يمكن أن يوافق على ما يطلبه.
على الرغم من هذا الواقع، يوجد في الداخل الإسرائيلي بعض الأصوات، التي لم تصل حتى الآن إلى المستوى الذي يشكل ضغطاً كبيراً على رئيس الوزراء الإسرائيلي، تحذر من الغرق في المستنقع اللبناني، على إعتبار أن "حزب الله" لا يزال قادراً على الصمود عسكرياً لفترة طويلة، وبالتالي هي من الممكن أن تزداد أكثر في الفترة المقبلة.
في هذا الإطار، تعود الأوساط المتابعة إلى التشديد على أن الأساس يبقى المواجهات البرية، التي لم ينجح الإسرائيلي في تحقيق أي إنجاز يذكر خلالها، حيث لا يزال "حزب الله" قادراً على الصمود، لا بل حتى تكبيده المزيد من الخسائر، بالإضافة إلى توسيع دائرة عمليات إطلاق الصواريخ نحو المستعمرات الإسرائيلية، بشكل يعمق من أزمة نتانياهو الداخلية، خصوصاً بعد أن باتت تلك الصواريخ تطال بشكل دئام كل من حيفا وتل أبيب.
هنا، تشير هذه الأوساط إلى أن من الطبيعي السؤال عما يمكن أن يبادر إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي، في المستقبل، في حال قرر الإستمرار في العدوان، حيث تعتبر أنه في المباشر لا يمكن له التوسع أكثر في الغارات الجوية على مستوى العمق، خصوصاً أن هناك خطوط حمراء أميركية لا يمكن تجاوزها، أما بالنسبة إلى الإستمرار في الخيار التدميري فهذا لن يحقق له أي نتائج تذكر، بل من الممكن أن يكون له نتائج عكسية، في حين أن كل الجهود الهادفة إلى إحداث فتنة داخلية لم تنجح، لا سيما أن هناك قراراً دولياً في منع ذلك.
في المحصّلة، تدعو الأوساط نفسها إلى التنبه إلى أن "حزب الله"، من الناحية العملية، لم يعمد، حتى الساعة، إلى التوسع في عملياته بشكل جنوني، كالذهاب إلى ضرب أهداف مدنية في المستعمرات على سبيل المثال، لتشير إلى أن القلق من التوسع الإسرائيلي، في الأيام الأولى التي تلت إغتيال أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، كان أكبر، بسبب عدم معرفة تداعيات ذلك على قوة الحزب العسكرية، لكن اليوم الأمر مختلف، وبالتالي سيدرك الإسرائيلي، في نهاية المطاف، الحاجة إلى العودة للخيار التفاوضي.