عكس مؤتمر باريس، أول من أمس، إهتماماً أوروبياً، إلى جانب الواقع الإنساني، بالسعي إلى الوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار، وفقاً للقرار 1701، على عكس ما هو حال الجانب الأميركي، الذي لم يذهب، حتى اليوم، إلى ممارسة أي ضغوط جدية على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، حيث لا تزال الولايات المتحدة تدعم ما يقوم به الجيش الإسرائيلي، مكتفية بالسعي إلى الحد من الضربات الجوية التي تحصل في بيروت، أي الضاحية الجنوبية، إلى جانب الإبتعاد عن إستهداف مؤسسات الدولة اللبنانية.
بالنسبة إلى الموقف الأميركي، فهو، إلى حد بعيد، مفهوم ولم يكن من الممكن توقع أن تبادر واشنطن إلى ما هو أبعد من ذلك، فهي في الأصل تدعم العدوان الذي تقوم به تل أبيب، لا بل ترى فيه مصلحة لها، طالما أنه لم يصل إلى المرحلة التي تجر المنطقة إلى حرب واسعة، الأمر الذي تخشى أن ينعكس على مصالحها، بحسب ما ترى مصادر سياسية متابعة عبر "النشرة"، ولهذا بادرت إلى الطلب من إسرائيل إستثناء المنشآت النووية والنفطية من أي رد عسكري على إيران.
بالعودة إلى الموقف الأوروبي، تشير المصادر نفسها إلى نقطة جوهرية، كانت سائدة على مدى السنوات الماضية، حيث سعت العديد من الدول الأوروبية إلى الحفاظ على الحد الأدنى من الإستقرار المحلي، في ظل الأوضاع الملتهبة على المستوى الإقليمي، لا سيما في سوريا مع إندلاع الحرب هناك في العام 2011، بسبب الخشية من تحول السواحل اللبنانية إلى نقطة إنطلاق لقوارب الهجرة غير الشرعية نحو بلدان القارة العجوز، واليوم هذا الموقف يتكرر، بشكل عام، بغض النظر عن مواقف بعض الجهات الداعمة لإسرائيل، كألمانيا على سبيل المثال.
من هنا، تذكر هذه المصادر بالضجة التي كانت قد رافقت هبة المليار يورو المقدمة من الإتحاد الأوروبي، قبل أشهر قليلة، حيث كان الهدف منها السعي إلى دفع السلطات اللبنانية إلى أخذ الإجراءات اللازمة، التي تحول دون توجه تلك القوارب إلى بعض البلدان الأوروبية، خصوصاً جزيرة قبرص، بسبب التداعيات التي من الممكن أن تنجم عن ذلك، لا سيما مع تنامي الخطاب المتطرف ضد المهاجرين في دول القارة.
في هذا المجال، ترى المصادر السياسية المتابعة أنه من الضروري التذكير بأن العدوان الإسرائيلي على لبنان دفع بنحو 350 ألف سوري، بالإضافة ما يقارب 150 ألف لبناني، إلى العبور نحو الأراضي السورية، بحسب الأرقام الرسمية، في حين كانت قد بادرت إسرائيل إلى إستهداف بعض المعابر الحدودية، بهدف قطع الطرقات التي تربط لبنان بسوريا، بحجة أنها تستخدم لنقل الأسلحة إلى "حزب الله"، بينما كانت تُثار الكثير من علامات الإستفهام حول ما إذا كان ذلك يرتبط بمنع عودة السوريين إلى بلدهم، نظراً إلى أنّ الولايات المتحدة لا تزال ترفض هذا الأمر.
هنا، توضح المصادر نفسها أن العديد من الدول الأوروبية تخشى من تدهور الأوضاع في الداخل اللبناني، وهو ما حذر منه وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو بشكل واضح في الأيام الماضية، حيث تلفت إلى أن تلك الدول تخشى من أن يؤدي إستمرار العدوان الإسرائيلي فترة طويلة إلى نزاعات داخلية، تدفع بالكثيرين، لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، إلى البحث عن كيفية الإنتقال إلى القارة العجوز عبر قوارب الهجرة غير الشرعية.
في المحصّلة، تشير المصادر نفسها إلى أن هذه المسألة، من الناحية العملية، لا تمثل مشكلة كبرى بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لكن بالنسبة إلى الجانب الأوروبي فهي أمر لا يمكن تجاوزه بأي شكل من الأشكال، خصوصاً أن النزاعات الداخلية في لبنان ستؤدي بشكل مؤكد إلى إضعاف مؤسسات الدولة، وبالتالي عدم قدرة الأجهزة الرسمية على منع إنطلاق تلك القوارب، التي كانت في الأصل تبحر، بين الحين والآخر، نحو جزيرة قبرص بشكل أساسي.