أشار البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إلى "أنّني التقيت البابا فرنسيس في روما، وقدّمت له ثلاث وثائق عرضت فيها له: أوّلًا الوضع السّياسي الرّاهن في لبنان ومسألة انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، ثانيًا الوضع الإنساني والاجتماعي في ظلّ العدوان الحاصل على لبنان، وقضيّة النّزوح ومواكبة الكنيسة ومؤسّساتها له، وثالثًا بيان القمّة الرّوحيّة المسيحيّة- الإسلاميّة الّتي انعقدت يوم الأربعاء 16 الحالي في بكركي".
ولفت، خلال ترؤّسه قدّاس الأحد في كنيسة السيدة في الصّرح البطريركي في بكركي، إلى أنّ "البابا فرنسيس أكّد صلاته الدّائمة للبنان وشعبه، كما أبدى حرصه الشّديد على المحافظة على دور لبنان ورسالته في التّعدديّة والحوار بين الأديان، وعلى رسالة المسيحيّين فيه"، مبيّنًا أنّ "بعد لقائي مع البابا فرنسيس، التقيت أمين سرّ حاضرة الفاتيكان الكاردينال بياترو بارولين، وناقشنا مواضيع الوثائق الثّلاث المذكورة".
وأعلن البطريرك الراعي، أنّ "في الفاتيكان أيضًا، شاركت في احتفال تقديس الطوباويين الاخوة المسابكيّين الثّلاثة فرنسيس وعبد المعطي وروفائيل، الأحد الماضي 20 تشرين الأوّل، مع عدد من مطارنة كنيستنا المارونيّة و800 شخص ماروني أتوا من مختلف المناطق اللّبنانيّة ومن دمشق ومن سائر بلدان الانتشار مع مطارنتهم، بالإضافة إلى البطاركة والكرادلة والمطارنة المشاركين في سينودس الأساقفة الروماني، الّذي يختتم أعماله اليوم بقداس يترأسه البابا فرنسيس".
وأوضحت "أنّني أقمت مساء الإثنين الماضي، قدّاس الشّكر لله على عطيّة الشّهداء القدّيسين الثّلاثة، وللقدّيسين أنفسهم، وللبابا فرنسيس الّذي أمر بكتابة أسمائهم في سجلّ القدّيسين، وبالاحتفال بعيدهم في جميع الكنائس في العاشر من تمّوز؛ ذكرى استشهادهم سنة 1860". وذكر أنّ "القدّيسين الاخوة المسابكيّين الثّلاثة هم اخوة علمانيون موارنة من دمشق، كانوا يعيشون حياةً مسيحيّةً مثاليةً كلّلوها باستشهادهم في أحداث 1860 المؤلمة، الّتي راح ضحيّتها اثنا عشر ألفًا بين موارنة ومسيحيّين في سوريا ولبنان".
وأضاف: "فرنسيس تاجر الحرير المعروف بنزاهته في دمشق ولبنان، وصاحب ثروة كبيرة نالها بضميره المهني الحي، وكان رجل صلاة يوميّة، ويحضر القدّاس الإلهي ويتناول جسد الرب كلّ يوم، مع عبادة خاصّة للسيدة العذراء. وقد ظهرت الفضائل المسيحيّة على محياه وفي كلامه وتصرّفاته وأعماله. كان ربُّ عائلة مؤلّفة من ثمانية أولاد".
كما أكّد الرّاعي أنّ "عبد المعطي قضى حياته بالتّعليم والتّدريس في مدرسة الفرنسيسكان، وبشهادة ابنه نعمه، كان بعد صلاته اليوميّة الصّباحيّة، يذهب إلى كنيسة الفرنسيسكان، ويحضر القدّاس، وهو جاث على ركبتيه، ويتقدّم من سرّ المناولة الإلهية. ويوم خميس الأسرار مساءً، يذهب إلى الكنيسة ويجثو على ركبتيه نصبا إلى الصّباح، ويبقى في الدير إلى ليل الأحد عند منتصف اللّيل، فيمضي إلى الكنيسة المارونية لأجل حضور القداس والمناولة الفصحيَة. كان ربُّ عائلة مؤلفة من خمسة أولاد"، مشيرًا إلى أنّ "روفائيل رجلٌ تقيٌ يعيش في كنف إخوته. وكان مثال الطّهارة والبساطة المسيحيّة. كان يخدم عائلتَي شقيقيه والرّهبان الفرنسيسكان الّذين كان يزورهم يوميًّا، وكان متبتلًا كلّ حياته".
وشدّد على أنّ "في غمرة التّحدّيات القاسية الّتي يواجهها لبنان، نشكر الله على نجاح القمّة الرّوحيّة الإسلاميّة- المسيحيّة الّتي انعقدت في بكركي قبيل توجّهنا إلى روما. وقد أكّدت كسابقاتها على جملة ثوابت وحقائق كانت ولا تزال في أساس الكيان اللّبناني، بدءًا من وحدة اللّبنانيّين الرّاسخة في كنف دولتهم وفي كنف الشّرعيّة الدّوليّة، وصولًا إلى تضامنهم الإنساني والأخوي الّذي يتجاوز كلّ اختلاف سياسي".
ولفت إلى أنّه "كان إجماع من القادة الرّوحيّين على أنّ مدخل الحلول لأزماتنا هو انتخاب رئيس للجمهوريّة، يكون حاميًا للدّستور وضامنًا لوحدة اللّبنانيّين. وفي هذا السياق، سنتابع مع الاخوة رؤساء الطّوائف كافّة آليّات تحقيق مضمون بيان هذه القمّة، الّتي شكّلت علامةً مضيئةً في عتمة هذه الأيّام، وقد لاقت ارتياحًا داخليًّا وخارجيًّا؛ خصوصًا لجهة تجسيد صورة لبنان الحقيقيّة بتعدديّة طوائفه".
إلى ذلك، حيّا الرّاعي "مؤتمر باريس الّذي انعقد في الرّابع والعشرين من هذا الشّهر، والّذي وضع خريطة طريق كحلّ دبلوماسي للحرب الدّائرة بين إسرائيل و"حزب الله"، وقوامها ثلاث نقاط: أوّلًا وقف إطلاق النّار فورًا بين "حزب الله" وإسرائيل، ثانيًا تنفيذ قرار مجلس الامن 1701(2006)، وبخاصّة انتشار الجيش اللبناني في جنوبي اللّيطاني، وثالثًا انتخاب رئيس الجمهورية بأسرع وقت".
وتوجّه بالشّكر إلى "الدّول الّتي تمثّلت في هذا المؤتمر، على جمع مليار دولار أميركي للبنان، مفصل توزيعها وبشكل تصل إلى الموجّهة إليهم"، مشدّدًا على أنّ "من المؤسف أنّ الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل خرجت عن نظامها الدّولي، إذ راحت تحصد أطفالًا ونساءً ومدنيّين عزّل ومؤسّسات إنسانيّة. وقد فاق عدد القتلى 2500 شخصًا من جهة لبنان، بالإضافة إلى تدمير كامل للمنازل والمؤسّسات، وعشرات آلاف الجرحى، وتهجير ما يفوق 1,300,000 مواطن".
وختم: "إنّنا نصلّي ونعزّي أهالي الضّحايا، ولا سيّما ضحايا الجيش اللبناني، وضحايا الإعلام الّذين سقطوا في حاصبيا وهم نيام ليل أمس الأوّل: غسان نجار ومحمد رضى من تلفزيون "الميادين"، ووسام قاسم من تلفزيون "المنار". فلنصلِ إلى الله بشفاعة القدّيسين الشّهداء الثّلاثة الاخوة المسابكيّين العلمانيّين، أن يجعلنا شهودًا للمحبّة وفاعلي سلام في لبنان وسوريا والأراضي المقدّسة".