مع دخول الحرب على لبنان شهرها الثاني، بدأت الأصوات في الداخل الإسرائيلي ترتفع لتؤكد أن العملية البرّية في الجنوب باتت في مراحلها النهائيّة بعدما كان الأمر متروكًا للميدان، وقد تتطلب أسبوعًا أو أسبوعين "إذا لم تكن هناك تغييرات في اللحظة الأخيرة ووفقًا للاعتبارات العملياتية والسياسية."
تغيير الموقف الإسرائيلي عبر عنه رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، بوضوح بقوله: "بات بالإمكان إنهاء الحرب على جبهة لبنان، لأنه تمّ القضاء على القيادة العليا لحزب الله، ولأننا حققنا إنجازات كبيرة على خط التماس في قرى جنوب لبنان، مع تفكيك العديد من البنى التحتية لحزب الله فوق الأرض وتحتها."
واللافت أن التغيير الإسرائيلي قد سبق زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى إسرائيل، الذي أكد في وقت سابق "أن هناك إمكانية لإنهاء الحرب بين إسرائيل ولبنان وفقًا للقرار 1701"، بعدما كان أفق الحلول الدبلوماسية والسياسية مقفلًا، إذ لم تُطرح أيّ مبادرة جدية لوقف إطلاق النار نتيجة الدعم الأميركي اللامحدود لاستمرار إسرائيل في عدوانها على لبنان، أملًا في تحقيق أهدافها وفرض أمر واقع جديد عليه.
وتؤكد مصادر سياسية لـ"النشرة"، أن الأيام القليلة المقبلة قد تكون فاصلة لجهة اتجاه الأمور نحو التهدئة ووقف إطلاق النار أو استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، ارتباطًا بنتائج زيارة هوكشتاين إلى إسرائيل ولقائه المسؤولين هناك لمعرفة موقفهم من الطرح اللبناني الرافض لأيّ تعديل على القرار 1701. ووفقًا لهذا الردّ، يتحدّد قيامه بزيارة لبنان من عدمها اليوم.
وتوضح المصادر أن بدء ارتفاع الأصوات الإسرائيلية لإنهاء العملية البرية ووقف الحرب يعود إلى عدة أسباب، أبرزها:
-انتهاء بنك الأهداف المتعلق باستهداف حزب الله واغتيال قادته وتدمير بنيته التحتية. وقد لاحظ مراقبون أن إسرائيل انتقلت إلى مرحلة جديدة تهدف إلى إلحاق الأذى والخسائر المادّية بالمباني السكنية والأسواق التجاريّة وارتكاب المجازر بحق المدنيين في أكثر من مكان، تحت ذرائع واهية، كان آخرها استهداف الصحافيين في منطقة حاصبيا.
-تكتيك حزب الله وتصدّي مقاتليه لأي محاولة تقدّم بري، واستخدام أسلوب حرب العصابات من خلال الانسحاب واستدراج العدو إلى الموقع المناسب ثم المباغتة والهجوم. حيث الإصرار الإسرائيلي على التوغل البري يقابله صمود ودفاع مستميت من الحزب، الذي واصل أيضا قصفه تجمعات العدو الإسرائيلي عند الحدود وخلف الخطوط، ناهيك عن استمرار إطلاق الصواريخ نحو العمق الإسرائيلي، في إطار الانتقال إلى مرحلة جديدة تصاعدية كان أعلن عنها.
-الخسائر البشرية والمادية التي تكبّدتها إسرائيل أثناء محاولة التوغل البري باتجاه القرى والبلدات الجنوبية، وخاصة الحدوديّة منها، حالت دون قدرتها على المكوث فيها، ما أجبرها على تغيير تكتيكها العسكري إلى السيطرة عليها بالنار، بعد تفاقم التحدّيات الداخلية التي تواجه القيادة العسكرية الإسرائيلية في معركة قد تتحول إلى حرب استنزاف يصعب إدارتها. يأتي ذلك مع احتمالات تصاعد الانقسام الداخلي بشأن تداعيات استمرار الحرب وتكاليفها العالية.
ووفقًا لمراقبين، فإن إسرائيل اعتمدت في هجومها البري على خمسة محاور: الأول من الناقورة حتى مروحين، والثاني من راميا حتى عيترون، والثالث من بليدا حتى حولا، والرابع من مركبا حتى الغجر، والخامس من الغجر حتى مزارع شبعا. لكنها لم تحقّق أهدافها، إذ قوبلت بمقاومة شرسة، رغم تنفيذها غارات جويّة غير مسبوقة، إضافة إلى تفخيخ وتفجير أحياء بكاملها في هذه البلدات، ما جعل فوالق الزلازل تهتز، ما ينذر بكوارث طبيعية.
ويشير هؤلاء إلى اعتماد إسرائيل على استراتيجية "التوغل الموقّت" من خلال دخول سريع إلى القرى الحدوديّة، وتفخيخ مواقع فيها قبل الانسحاب. وهذا يعكس رغبة في تجنّب المواجهة المباشرة، لا سيما في المناطق المفتوحة التي تكبّدت فيها القوات الإسرائيلية خسائر بشريّة. وبدلاً من التواجد الميداني، تعتمد إسرائيل على تكثيف القصف المدفعي من المرتفعات للسيطرة على الأرض دون اشتباك مباشر.
استهداف الصحافيين واليونيفيل
وقد ترافقت محاولات التوغل مع قيام إسرائيل باستهداف الصحافيين كحلقة إضافيّة ضمن سلسلة اعتداءاتها التي طالت الجنوب والبقاع وحتى الضاحية الجنوبيّة لبيروت، في إطار تكتيك يسعى إلى بثّ الرعب بعد تدمير البنى التحتية والمباني السكنيّة وإفراغ القرى والبلدات في الجنوب، وجعلها مناطق محروقة في ظلّ العجز عن التواجد البرّي فيها.
كذلك يأتي في ظلّ مواصلة الاعتداء الإسرائيلي على قوّات "اليونيفيل"، التي تعرضت مراكزها وآلياتها على الحدود الجنوبيّة للقصف وإطلاق النار، ما أدّى إلى سقوط جرحى. وبعد مطالبة إسرائيل بانسحاب القوات الدولية من مواقعها المحصنة شمالا باتجاه صور ونهر الليطاني، وهو ما رفضته قيادة اليونيفيل.
الجيش والطواقم الاسعافية
وبعد الاعتداء الإسرائيلي على الجيش اللبناني، استشهد منذ أيام ضابط وجنديان هما: الرائد محمد سامي فرحات، والعريف محمد حسين نزال، والعريف موسى يوسف مهنا، أثناء تنفيذ عمليّة إخلاء جرحى في خراج بلدة ياطر-بنت جبيل، وذلك بعد استهدافهم أكثر من مرّة في مواقعه، حيث سقط له شهداء وجرحى.
وبعد الاعتداء على الطواقم الإسعافيّة ومنعها من تأدية واجبها في نقل الجرحى والمرضى إلى المستشفيات، اضطر بعضها إلى الإقفال قسريًا نتيجة تكثيف القصف قربها، مما حال دون وصول الفرق الطبّية والتمريضيّة إليها.