إن الحرب الإسرائيلية اللعينة المفروضة على لبنان، لا تُبرر استقالة الوزارات، وكل الدوائر الرسميةـ وبخاصة منها الرقابية، من مسؤولياتنا في ضبط الإيقاع، في هذا الوقت العصيب، تلافيا لانتشار الفوضى... وأما إذا استقالت... فإن مناعة الوطن أمنيا واجتماعيا تُضحي "على المحك"!.
إن الأزمة الراهنة في لُبنان اليوم، خُلقية، ينطبق عليها البيت الشعري القائل: "إنما الأُمم الأخلاق ما بقيت فإن هُم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"
حرب "الغِلّة"
تعلمنا في المدرسة، أن حربا في لُبنان، في العام 1860، قد بدأت بشجار بين طفلين، على "غِلَّة"...
و"الغِلَّة" كناية عن طابة بلُورية صغيرة، يلعب بها الأطفال، إذ يضعونها بين الإبهام والسُبابة، ويُطلقونها لتُصيب "غِلَّةً" أُخرى.
حينها توسع الشجار بين الطفلين على خلفية "الغِلّة". وتدخَل الأهل والرَّبع والعشيرة... اندلعت حربٌ أهلية، وانتشرت كالنار في الهشيم... على امتِداد الوطن!.
إشكال "بلس"
وفي سياق النار والهشيم، شاهد اللُبنانيون، عبر الإعلام ووسائل التواصُل الاجتماعي، نهاية الأُسبوع الماضي، الإشكال في شارع "بلس"، في منطقة الجامعة الأميركية-بيروت، بين أصحاب الحُقوق والوافدين إلى أحد الفنادق. ويصب الإشكال في خانة التصادُم بين حُقوق المُواطنين من ناحية، ووجوب احتضان النازحين من داخل لبنان، من ناحية أُخرى.
غير أن من الواجب الخُلقي والوطني والإنساني... الوقوف إلى جانب أي نازح بفعل الحرب الإسرائيلية المُدمرة على لُبنان. ولكن من مسؤولية الدولة وفريق "إدارة الأزمة"، والجمعيات، وكُل العاملين في الشأن الاجتماعي في لُبنان، أو عبر المُنظمات الدولية... الإسهام في إيجاد حُلول للمُعضلات الاجتماعية، والإشكاليات العالقة بين الناس، تجنُبا للانفلات الأمني، وصونا للسلم الأهلي.
وأنجع وسيلة لنجاح أي "تسوية"، لأي إشكالية بين المواطنين، ينطلق من "سُلم" القيم الإنسانية والخُلقية، ما يضمن الحُقوق، ولا يغفل الحاجة إلى التآزُر والتآخي بين الناس.
شفط المياه
يُخطئ من يظن، أن "الإشكاليات" الأمنية والقضائية في مُجتمعنا، عائدة كُلها إلى النُزوح وتبعاته... فمَكمن الداء إنما في الخلل الخُلقي الاجتماعي السائد عندنا. وقد اعتادت غالبيتنا أن تحكُم على ما تراه، من دون أن تتحمل عناء تحليل الأمور...
عرفتُ رئيس لجنة بناء، من "ديَكَة الحي"، في منطقة جديدة المتن، وقد وضع "شفَّاطًا" بعدما استفحلت قضية النازحين، وبدأ الشح في المياه يستفحل لأكثر من سبب...
غير أنّ من أسباب شح المياه المُزمن في البناء المذكور أيضا، أن عدد عيارات المياه اثنان فقط، وبالتالي فهُما لا يكفيان، بمُطلق الأحوال، لتعبئة عشرين خزان مياه، لعشرين وحدة يتألف منها البناء المذكور، إضافة إلى خزان الناطور.
وحين يُسجل محضر ضبط بجُرم سرقة المياه في حق "الديك" –كما حصل مُنذ أسبوعين اثنَين– فإن "الديك" يُجاهر بأنه يتواصل مع "مرجع كبير"، في وزارة الطاقة والمياه، لـ"تجاهُل المحضر" وإلغائه، فيتم له ما أراده... "ولا مَن شافَ... ولا مَن دَرِيَ"!.
واستطرادا، كيف يُمكن أن تتصف آثام كهذا الاثم، ملؤها قلة الأخلاق، والأنانية البغيضة، وتجاوز القوانين النافذة، وانتفاء الأخلاق الرادعة!.
ومن ذا الذي تُخول له نفسه سرقة المياه، من الدولة، ومن أمام جيرانه، ومن النازحين المُبتلين بشرير صهيوني قاتل؟. وماذا عسانا نُطلق على هكذا كائن بشري؟.
قد تعجز "خزانات مياه" الأرض كلها، عن إزالة الآثام الاجتماعية المُتفشية في مُجتمعنا... غير أن تلك الآثام، يتلقفها العدو للبنان، "شحمة على فطيرة"، كي ينقض علينا أيضا، من باب "سوس الفساد" الناخر بنا حتى العظم، ليل نهار!.
ومن هُنا وجوب ألا تستقيل الدولة من واجباتها، في الإطارين الاجتماعي والقانوني، وبخاصة في ظلّ هذه الظُروف الصعبة.
وإذا كانت حرب أهلية نشبت في لبنان قديما، على خلقية خلاف "طُفولي" على "غِلّة"... فإن في رصدنا الاجتماعي اليومي، نلحظ الآن مُسببات أخطر بكثير من "الغِلّة"!...
فحذارِ وألف حذارِ، الوقوع في الخطإ المُميت!.