"إنَّا لِلبنانَ وإنَّا إلَيهِ راجِعونَ!"
عِبارَةٌ شَكَّلَت قانونَ إيمانٍ إمتَدَّ، بِكَمالِيَّةِ لَهفَةٍ، مِنَ الأساطيرِ لِلميتولوجيا فَحَقيقَةِ الحاضِراتِ-المَمالِكَ المُؤَسِّسَةِ لِكُلِيَّةِ لبنانَ.
عِبارَةٌ تَرَدَّدَتِ في ثالوثِيَّةٍ جيوسياسيَّةٍ: أوروبا إبنَةُ مَلِكَ صورَ أقسَمَت بِها لإلَهِ آلِهَةِ الغَربِ زوسَ الإغريقيِّ، المُتَيَّمِ بِها حَدَّ التَنازُلِ عَن أُلوهِيَّتِهِ لِتَستَجيبَ لِعِشقِهِ، وصولاً الى إهداءِ إسمِها لِقارَّةٍ تأكيداً لِإخلاصِهِ لَهَا. وَقُدموسُ، شَقيقُها الباحِثِ عَنها، أقسَمَ بِها يَومَ كَرَّمَتهُ آلِهَةُ الأولِمبَ بِتَزويجِهِ أجمَلَهُنَّ، هارمونيا، وَبحُضورِهِمِ مُجتَمِعينَ لِبَرَكَةِ إحتِفالِ الزَواجِ وَمُطالَبَتِهِ بِتَحَدّي مَجاهِلَ الغَربِ عَبرَ تأسيسِ مَدائِنَ الحَضارَةِ فيها على إسمِهِ وَذَرِيَّتِهِ، وَقَد رَدَّ على إحاطَتِهِمِ بِعَطِيَّةِ العطايا: الأبجَدِيَّةُ ، يَقينُ الحَقائِقَ بإنعامِ المَعرِفَةِ. وإليسارُ إبنَةُ مَلِكٍ صوريٍّ آخَرَ، بانِيَةُ قَرطاجَةَ "قَرْت-حَدَشْت" / "المَدينَةُ-الجَديدَةُ": صورُ الجَديدَةُ، عَظيمَةُ مَدائِنَ حُدودِ الشَرقِ المُتَوَثِّبِ لِلتَواصُلِ مَعَ الغَربِ بِظَفَرِ الرِضا، أقسَمَت بِها نَذراً لِجَذوَةِ إخلاقِيَّاتِها بِوَجهَ مَن رامَ نُكوثَها بِعَهدِ الإخلاصِ لِتساميَ الحُبِّ... وَجَعَلَتها يَمينَ دُستورِ الحَضارَةِ المُتَولِّدَةِ مِن حاضِرَةِ الحاضِراتِ.
عِبارَةٌ دُوِّنَت في ثالوثِيَّةٍ جيو-أزَلِيَّةٍ: زَينونُ الصَيدونِيُّ، المُتَعَملِقُ مِن أثينا الى روما فالمَسيحِيَّةِ، بانيَ الفِكرِ الرواقيِّ وَعَلِيَّاتُهُ الإلتِزامُ بِوجوبِ الأخلاقِ والرُسوخُ في صَلابَةِ الإرادَةِ والإنعِتاقُ في قَبَسِ النارِ الإلَهِيَّةِ: مُطلَقِيَّةُ الحُبِّ، طَلَبَ نَحتَها على ضَريحِهِ رافِضاً إنعامَ "مواطِنٍ إغريقيٍّ". بيرويه Βερόη Beróē، الإلَهَةُ-الحورِيَّةُ آيَةُ الجَمالِ، المَولودَةُ في بَدءِ التَكوينِ مِن بِكرِ الآلِهَةِ أوسيانوسَ Ὠκεανός Ōkeanós وَتيتيسَ Τηθύς Tēthús مَلِكَةِ آلِهاتِ المَسكونَةِ، طَلَبَت نَحتَها على أبوابِ الحاضِرَةِ-المَملَكَةِ التي تَجَسَّدت على شَواطِئِها وَمَنَحَتها إسمَها: بَيروتَ، لِتَكونَ عاصِمَةَ الحاضِراتِ الُلبنانِيَّةِ... كما شَهِدَ نونوسُ شاعِرُ الذُرواتِ في نَشيدِهِ-التُحفَةِ XLI. وَشاعِرُ نَشيدِ الأنشادِ العِبرانِيُّ، ‒نَشيدُ حُبِّ الآبِ الخالِقِ لِخَليقَتِهِ، والمَسيحُ-الإبنُ لِكَنيسَتِهِ‒ بَل سارِقُهُ مِن نَشائِدَ تورَ، عَظيمِ كَهَنَةِ بيبلوسَ، العاصِمَةِ الروحِيَّةِ لِلمَمالِكَ-الحاضِراتِ الُلبنانِيَّةِ، طَلَبَ نَحتَها على مَدخَلِ قُدسِ إقداسِ الهَيكَلِ... فَوقَ نِداءِ: "هَلُمِّي مَعيَ مِن لبنانَ أيَّتُها العَروسُ، فَتَتَكَلَّلي!" (نَشيدُ الأنشادِ 4/8).
قُلتُ: عِبارَةٌ؟ شُموخُ نُدرَةٍ تَنتَخيَ حِكمَةً.
السابِقُ جَلالُهُ
ذاكَ الُلبنانُ، ألمِنهُ إنبِثاقُ بَديهِيَّاتِ تَكوينِ الشَرقِ والغَربِ وَتَلاقيهِما على الحَقائِقَ الأَوَلِيَّاتِ، الكائِنُ لِيَكونَ ضَمانَ نَحتِ الجَوهَرِ،
ذاكَ الُلبنانُ، ألمِنَ إبتِغاءِ القَلبِ صاغَ لِلعالَمِ مُسَوِّغاتِ العَقلِ التَسَيَّدَت عَلَيهِ، حَيثُ القَلبُ جَزمُ وجودِ العَقلِ والعَقلُ جَزمُ وجودِ القَلبِ،
ذاكَ الُلبنان، ألحَبَبَتهُ الحَضارَةُ لِيَكونَ لا رَمَقَها الآخَرَ بَل حِصنَ دِفاعِها بِوَجهِ الهَمَجِيَّاتِ الدافِقاتِ،
رَوافِدُ جودٍ. وَأيُّهُ؟ لِلخُلودَينِ: كَرَمُ الخَلقِ الخَلَّاقِ بالوَعي، والبَقاءُ بَعدَ المَوتِ بِما يَتَخَطَّى الحَقَّ. بَل في إنغِرافِهِ بإتقانِ العَقلَنَةِ إنتِصارَ التَهَيُّبِ على العَدَمِ في فُلولِ العُصورِ.
وَلَهُ أن يَنتَشِيَ بِصُعوبَةِ عَظَمَتِهِ، في الإيمانِ وَلَهُ... مِن جِهَةِ الأُلوهَةِ.
أجَل! فَمِن ثالوثِيَّتَيهِ الجيوسياسيَّةِ والجيو-أزَلِيَّةِ، الى عُصارَتَيهِما الواحِدَةِ-المُوَحِّدَةِ: بَيروتَ، يَنبَسِطُ لِلغَربِ والشَرقِ قَسَمُهُ ألما يُرَدِّدُ مَثيلَهُ لا أحفادُ مُتَحَدِّري أباطِرَةِ روما وَلا ذُرِيَّاتُ فَراعِنَةِ مِصرَ وَلا نَسلُ فارِسَ وَلا فُروعُ مَسبيِّي بابِلَ العِبرانِيِّينَ... مَن تَمَسَكُّوا بأرضِ سَبيهِمِ على تُربَتِهِمِ.
قَسَمٌ تُرَدِّدُهُ المَسيحِيَّةِ مِن جِهَةِ الإنسانِ: "أُذكُر يا إنسانُ أنَّكَ مِنَ الرَبِّ، وإلى الرَبِّ تَعودُ!"، وَيُرَدِّدُهُ الإسلامُ مِن وجودِيَّةِ الإنسانِ: "إنَّا للهِ وإنَّا إلَيهِ راجِعونَ!
قُلّ: هو لبنانُ، السابِقُ جَلالُهُ، قَسَمُ الإنسانِ لِلأُلوهَةِ، مِنَ الحَياةِ الدُنيا لِما وَراءَ السَماواتِ!
"إنَّا لِلبنانَ وإنَّا إلَيهِ راجِعونَ!"