ثمّة صراع لا ينتهي بين النّور والظلمة، ولكن يبقى في العتمة شيءٌ من النّور. نعيش عتمة لا شبيه لها، عتمة القلب والعقل والتصرّف والأداء، عتمة الفكر والمنطق والمسار، عتمة الحقد والحرب والقتل والدّمار، عتمة الكراهية والعداء والتشفّي والانتقام، لكن يبقى في العتمة شيء من النور، نور من الله في اشتداد العتمة الهالكة.

إن كنّا في محبتنا للبشر نشتهي أن نخدمهم ونذوب فيهم كالملح في الطّعام، كما ذكرنا في مقالٍ سابق، فإن الله لا يتركنا نذوب في الأرض، وإنما يرتفع بنا ويحسبنا كنور يضيء للعالم. وكما أنّ القمر يستقبل نور الشمس ويعكسه على الارض، هكذا يعكس البعض نور الله أفعالًا وإرادة وأعمالًا بين النّاس، فتتقلّص العتمة ويظهر بهاء الله في قلوبهم.

نور الله لا يمكن أن يُخفى مهما اشتدّت العتمة، طالما هناك مؤمنون ملتصقون بالكلمة.

رغم هذه العتمة الدّامسة تبقى أنوارٌ وهّاجة ترجمها أشخاص في حقول مختلفة، وأشخاص آمنوا بالنور خدمة وتطوّعًا مجّانيًا، ومسرى حياة، في سبيل إخوة في المواطنة. في المقابل هناك اشخاص أحبّوا الظلمة اكثر من النور، وكلّ همّهم نشر أفعال شرّيرة تعكّر صفوَ عمل النورانييّن. كلّ اهتمامهم نكءُ الجراح وتعبيد الطريق أمام فتنة يسعى أعداء لبنان لتسويقها.

ما تعتادُ على فعله أيادي السوء في الظلام لن يخاف منه النور. البدر لا يطلع إلا إذا شقّ رداء الليل، والفجر لا يدرج إلا من مهد الظلام. السّاكن في النور شاهدٌ لربّه في كافة المجالات.

هذه الأسطر خطّها قلمي بوحي من مجموعة صبايا حملْن اسم نور، منهنّ مَن تطوّعت للإشراف مع مجموعة من الشباب والصبايا على تنظيم أعمال الإغاثة لعائلات وفدت إلى بلدتها، فيما هي تتابع دراستها عن بُعْد من مركز التوزيع، ونور ثانية تخدم كنيستها وشبيبتها بصمت وتواضع، ونور ثالثة تحمل أوجاعها وتكافح في الحياة دون إحباط أو يأس وبكلّ رجاء، ونور رابعة تعيش صراعات عائلية ملؤها الرجاء، ونور خامسة تكافح جاهدة للحفاظ على إرث والدها الفكري، دون أن نتجاهل دور نورسات في نشر لغة الكلمة في وجه لغة السلاح. فعلًا اسمٌ على مسمّى يحملن نورًا في عتمة هذه الحياة وصعابها.

لهنّ ولأمثالهنّ أقول: كونوا النور السّاطع دائمًا في عتمة الحياة والقدوةَ الحسنة وثابرن على جهادكن، عندها سيضيء نُورُكُمْ قُدَّامَ النَّاسِ، "فيَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (متى ٥: ١٦).